٤ - نلاحظ في كتب العهد القديم في سفر الملوك الأول، في الإصحاح التاسع، إشارة إلى بلقيس، ومجيئها إلى سليمان، واعترافها له بالحكمة، وإقرارها بصحة دينه، وتقديمها الهدايا الكثيرة له، وليس في ذلك شئ من التفصيلات المذكورة في القرآن، ورواية العهد القديم ظاهرة الابتسار، ومردودة السياق؛ إذ إنها تذكر أن سبب مجيء بلقيس هو مجرد الرغبة في أن تسمع حكمة سليمان. فأي كلام مثل هذا؟! أتأتي ملكة من اليمن إلي فلسطين دون مقدمات، لمجرد أنها سمعت بحكمة سليمان، فجاءت تختبره، إن التفصيل القرآني الذي يظهر فيه سمت الأنبياء، وتظهر فيه معجزاتهم، وتظهر فيه طريقتهم، إن هذا وحده آية من آيات الله على أن هذا القرآن من عند الله.
[كلمة في السياق]
قلنا إن سورة النمل تتألف من مقطعين، وكل مقطع يتألف من مجموعات، وأن المجموعة الأولى من المقطع الأول هي مقدمة السورة، وهي تنتهي بقوله تعالى:
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ثم تأتي بعد ذلك في المقطع الأول أربع مجموعات: مجموعة تتحدث عن موسى عليه السلام، ومجموعة تتحدث عن داود وسليمان عليهما السلام، ومجموعة تتحدث عن صالح عليه السلام، ومجموعة تتحدث عن لوط عليه السلام. وفي كل من المجموعات الأربع يوجد رسول تلقى عن الله، وفي كل مجموعة تجد مظاهر من حكمة الله وعلمه، وفي كل مجموعة تجد نموذجا لرسالة من رسالات الله وكلاما عن المرسلين، وفي كل مجموعة تجد آية من آيات الله وذلك كله يفصل قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ففي كل مجموعة تجد آيات من آيات الله يتلوها على محمد صلى الله عليه وسلم مؤكدة رسالته، وقد مرت معنا المقدمة ومجموعتان، والآن تأتي المجموعتان الأخيرتان من المقطع الأول فلنرهما: