السموات والأرض، وسخّر الشمس والقمر، لا يعجزه أن يرزقكم أيها المهاجرون في سبيل الله؛ فتوكلوا عليه. والدليل على أن الآية فيها هذا المعنى ذكر الرزق في الآية اللاحقة
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ أي يبسط لمن يشاء، ويضيّق على من يشاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم. فإذا كان موضوع القبض والبسط بيد الله فعليه فليتوكّل عباده، وليطيعوا أمره
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أي هم مقرون بذلك قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ شكرا له على نعمه، وعلى إنزاله الماء لإحياء الأرض، أو قل الحمد لله على أن رزقك أن تقرّ بنحو ما أقروا به، ثم نفعك ذلك في توحيد الله، ونفي الشركاء عنه، ولم يكن إقرارا عاطلا عن العمل كإقرار المشركين بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أي لا يتدبرون بما فيهم من العقول فيما يريهم الله من الآيات، ويقيم عليهم من الدلالات
وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ اللهو: ما يتلذّذ به الإنسان فيلهيه ساعة، ثمّ ينقضي. وفي النّص إخبار من الله عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها، وغاية ما فيها لهو ولعب وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أي الحياة الدائمة الدوام الحق الذي لا زوال له ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ولكن الكافر لا علم عنده إلا بظواهر الدنيا.
[كلمة في السياق]
إن الآيات الأخيرة تؤدّي أكثر من غرض في سياقها. فهي تخدم قضية الهجرة في الكلام عن كون الله وحده هو الرزاق؛ فليطمئن المهاجر، وهي تخدم قضية الهجرة في كونها تلفت النظر إلى حقيقة الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة، وهذا محلّها في السياق القريب، وأمّا محلّ الآيات في سياق السّورة: فمن حيث إنّ السورة تتحدّث عن كون الكافرين يفتنون المؤمنين ويؤذونهم فيسقط في الامتحان الكاذبون والمنافقون، لأسباب شتى، من جملتها الرزق، ومن جملتها العذاب، فالآيات هذه بينت أن الرزق بيد الله، وأن الدنيا كلها بجنب الآخرة لا تساوي شيئا. فلا تكن الدنيا أو الرزق عاملا من عوامل الفتنة. ولنعد إلى التفسير:
....
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ أي مع أنّهم على ما وصفوا به من الشرك والعناد،