القيامة، هو في الحقيقة تعقيب على موقف إبراهيم وموقف قومه؛ بدليل أن الآيتين اللتين تذكران وراء كل قصة في هذا السياق وهما إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هاتان الآيتان تأتيان بعد التعقيب، مما يدل على أن هذا التعقيب تعليق على قصة إبراهيم، فهو يعرض ما يحدث لعباد الله وعباد الشيطان يوم القيامة. ولكنه يذكر بصيغة التعميم، لأن الآيات تنطبق على كل من شابه إبراهيم وشابه قومه. فلنر الآن التعقيب ثم نعود إلى السياق، ملاحظين أن الصلة بين التعقيب وبين ما قبله على غاية المتانة. فقد سبق التعقيب قوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ثم ينقلنا السياق إلى عرض مشهد من مشاهد ذلك اليوم.
...
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أي قربت وأدنيت من أهلها، مزخرفة مزينة لناظريها، وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما في الدنيا، وعملوا لها في الدنيا
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ أي للكافرين. أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها. قال ابن كثير: أي أظهرت وكشف عنها، وبدت منها عنق، فزفزت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر
وَقِيلَ لَهُمْ وقيل لأهلها تقريعا وتوبيخا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ أي ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئا، ولا تدفع عن أنفسها، فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ أي ألقي بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك فغووا وأغووا
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ أي متبعوه من عصاة الإنس والجن أو شياطينه ألقي فيها هؤلاء وهؤلاء عن آخرهم
قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ أي قال الضعفاء للذين استكبروا، أو قال العصاة للشياطين، أو قال عباد غير الله لآلهتهم من الأصنام وغيرهم
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي نعدلكم في العبادة برب العالمين. أو كما قال ابن كثير:
نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين
وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ أي ما دعانا إلى ذلك إلا المجرمون، أي رؤساؤهم الذين أضلوهم، أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كما للمؤمنين إذ يشفع لهم الأنبياء والأولياء والملائكة
وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ أي قريب كما نرى للمؤمنين أصدقاء،