عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف، ويشتغل بالطاعات التي هي كحفظ الصحة، ومن لم يقو إيمانه به كان حاله على العكس، فشابه الاعتراف به بالقلب الذي بصلاحه يصلح البدن، وبفساده يفسد، وجوز أن يقال وجه الشبه بالقلب أن به صلاح البدن وفساده، وهو غير مشاهد في الحس، وهو محل لانكشاف الحقائق والأمور الخفية، وكذا الحشر من المغيبات، وفيه يكون انكشاف الأمور والوقوف على حقائق المقدور، وبملاحظته وإصلاح أسبابه تكون السعادة الأبدية، وبالإعراض عنه وإفساد أسبابه يبتلى بالشقاوة السرمدية. وفي الكشف: لعل الإشارة النبوية في تسمية هذه السورة قلبا، وقلب كل شئ لبه وأصله الذي ما سواه إما من مقدماته، وإما من متمماته إلى ما أسلفناه في تسمية الفاتحة بأم القرآن من أن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد، وذلك بالتحقق والتخلق المذكورين هنالك، وهو المعبر عنه بسلوك الصراط المستقيم، ومدار هذه السورة الكريمة على بيان ذلك أتم بيان. اه).
(ووجه اتصالها بما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي أنه لما ذكر في سورة فاطر قوله سبحانه وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ وقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ
نَذِيرٌ
إلى قوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وأريد به محمد صلّى الله عليه وسلم، وقد أعرضوا عنه وكذبوه افتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته عليه الصلاة والسلام، وأنه على صراط مستقيم، لينذر قوما ما أنذر آباؤهم وقال سبحانه في فاطر:
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ وفي هذه السورة وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ إلى غير ذلك ولا يخفى أن أمر المناسبة يتم على تفسير النذير بغيره صلّى الله عليه وسلم أيضا فتأمل).
[٣ - ومن كلام صاحب الظلال في تقديمه لهذه السورة]
(هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة. وإيقاعات سريعة. ومن ثمّ جاء عدد آياتها ثلاثا وثمانين. بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها- سورة فاطر- وعدد آياتها خمس وأربعون. وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص، فتتلاحق إيقاعاتها، وتدق على الحس دقات متوالية، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها. وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار).