[البقرة: ١٥٢] وكلّ من دخل في نوع من أنواع المحن عرف أهمّية هذه الثلاثة في تجاوز المحنة، ولقد رأينا بعض إخوتنا يمرون على محنة فيخرجون منها أصلب عودا، لأخذهم هذا الزاد، في الوقت الذي كان يجنّ، أو يتحطم، أو يكفر آخرون، لقلة الزاد، إذا أدركنا أنّ هذه الثلاث هي زاد المسلم في المحنة، عرفنا محلّ هذه الآية في السياق الخاص للسورة. وأمّا محل الآية في السياق العام فإنّ السّورة- كما قلنا- تفصّل في مقدمة سورة البقرة: فصّلت في المرحلة الأولى في موضوع الإيمان بالغيب، ثم فصّلت هاهنا في موضوع إقامة الصلاة، وحكمتها، وسنرى أنّها ستفصّل في جزء آخر من المقدمة.
ولنستمر في التفسير.
[المجموعة الأولى من المقطع الثاني]
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي إلا بالخصلة التي هي أحسن للثواب، وهي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النّصح، ولم ينفع فيهم الرفق، فاستعملوا معهم الغلظة. والآية تدلّ على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين.
وعلى جواز تعلّم العلم الذي به نستطيع أن نقيم به الحجة وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ في هذا تعليم لنا لنوع الكلام الذي ينبغي أن نقوله أثناء عملية الجدال بالتي هي أحسن. أن نعلن لهم إيماننا بالوحي الذي أنزله الله، ومن ذلك إيماننا بالتوراة والإنجيل والزبور، وإيماننا بالله ربنا وربهم. وأن نعلن مع ذلك إسلامنا لله وحده.
[كلمة في السياق]
١ - قلنا: إنّ سورة العنكبوت تفصّل في مقدّمة سورة البقرة وامتدادات معانيها الأكثر لصوقا بها، ولنتذكر الآن أنّه قد جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (البقرة: ٤) ثم جاء قوله تعالى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ (البقرة: ١٣٦) إلى قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ثم جاء أيضا فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ... (البقرة: ١٥٠) تذكّر هذا كله ثمّ تأمل