المؤمنة، ونلاحظ أن بين هذه الآيات وبين المجموعة الأولى التي تحدثت عن حد القذف صلة واضحة، وقد جاءت حادثة الإفك في الوسط لنعرف من خلالها شناعة جريمة القذف، ولنعرف حكمة عقوباتها، ولقد ذكر في المجموعة الأولى عقوبة القذف الدنيوية، وهاهنا تذكر بالتفصيل عقوبته الأخروية وهذه هي الآيات:
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ أي العفائف السليمات الصدور، النقيات القلوب، اللائي ليس فيهن دهاء ولا مكر، لأنهن لم يجربن الأمور الْمُؤْمِناتِ بما يجب الإيمان به، وأمهات المؤمنين يدخلن بالأولى في استحقاق قاذفهن هذه العقوبة لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ قال النسفي:
جعل القذفة ملعونين في الدارين، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي بما أفكوا أو بهتوا
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أي حسابهم الحق الذي لا ظلم فيه وَيَعْلَمُونَ عند ذلك أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ لارتفاع الشكوك وقتذاك، وحصول العلم الضروري قال ابن كثير في تفسيرها:(أي وعده ووعيده، وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه)، ولم يبق عندنا من المجموعة الثالثة إلا آية واحدة تختم بها حادثة الإفك، وتعطي الدرس الأخير في هذا الموضوع، وتقرر حقيقة، وتعزز ثقة.
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قال ابن كثير في هذه الآية:
قال ابن عباس: (الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول، والطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول- قال- ونزلت في عائشة وأهل الإفك وهكذا روى مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن بن أبي الحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك، واختاره ابن جرير ووجهه بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة من كلام هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم، ولهذا قال تعالى أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، وهذا أيضا يرجع إلى ما قاله أولئك