يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ من ملك اليمين على حسب الرواية التي نقلناها، أو من شرب العسل عند زينب بنت جحش زوجته عليه الصلاة والسلام تَبْتَغِي بالتحريم مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وفي هذا ما فيه، قال النسفي: لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله وَاللَّهُ غَفُورٌ أي: قد غفر لك فعلتك رَحِيمٌ أي: قد رحمك فلم يؤاخذك به
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ قال النسفي:
أي: قد قدر الله لكم ما تحللون به أيمانكم وهي الكفارة، أو قد شرع لكم تحليلها بالكفارة وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ أي: سيدكم ومتولي أموركم. قال النسفي: وقيل: مولاكم أولى بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم أنفسكم وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم فيشرعه لكم الْحَكِيمُ فيما أحل وحرم
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ وهي حفصة حَدِيثاً هو تحريمه مارية، أو تحريمه شرب العسل على نفسه عند زينب رضي الله عنها فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أي: فحين أخبرت به، والتي أخبرتها به هي عائشة رضي الله عنها وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أي: وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عَرَّفَ بَعْضَهُ أي: أعلم ببعض الحديث وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فلم يخبر تكرما، قال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ أي: فلما نبأ النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة قالَتْ حفصة مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ بالسرائر الْخَبِيرُ بالضمائر
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ قال النسفي: خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي: إن تتوبا إلى الله فقد استمعت قلوبكما لأمر الله استماع قبول وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ أي: وإن تتعاونا عليه بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره أو في الاستمرار على حاليكما في صنع ما لا يحبه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ أي: وليه وناصره، وفي ذكر الضمير (هو) إيذان بأنه سبحانه يتولى ذلك بذاته وَجِبْرِيلُ أي: أيضا وليه وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أي: كذلك أولياؤه، وصالح المؤمنين: هو كل من آمن وعمل صالحا وَالْمَلائِكَةُ على تكاثر عددهم بَعْدَ ذلِكَ أي: بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين ظَهِيرٌ أي: مظاهرين له، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه