تقريع للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان، واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن عليه السلام، قال النسفي في تفسير الآية: (أي أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها من دون الله عزّ وجل، هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة؟)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى أي: جائرة. قال النسفي: (كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله، مع وأدهم البنات، وكراهتهم لهن فقيل لهم ذلك) وقال ابن كثير: (أي أتجعلون له ولدا وتجعلون ولده أنثى وتختارون لأنفسكم الذكور،
فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت قِسْمَةٌ ضِيزى أي: جورا وباطلة، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها؟)
ثم قال تعالى منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب، والافتراء، والكفر من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة إِنْ هِيَ أي:
ما الأصنام إِلَّا أَسْماءٌ ليس تحتها في الحقيقة مسميات، لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شئ منها، وأشد منافاة لها سَمَّيْتُمُوها أي: سميتم بها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أي:
من تلقاء أنفسكم ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي: من حجة إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أي: إلا توهم أن ما هم عليه حق وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ أي:
وما تشتهيه أنفسهم. قال ابن كثير: أي ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ نفوسهم ورياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى قال النسفي: أي الرسول والكتاب فتركوه ولم يعملوا به، وقال النسفي: أي ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به، ولا انقادوا له
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أي: أبل للإنسان ما تمنى، والاستفهام للإنكار أي ليس للإنسان ما تمنى.
قال ابن كثير: (أي ليس كل من تمنى خيرا حصل له ... ما كل من زعم أنه مهتد يكون كما قال، ولا كل من ود شيئا يحصل له)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى قال ابن كثير: أي إنما الأمر كله لله مالك الدنيا والآخرة، والمتصرف في الدنيا والآخرة، فهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن) فإذا كان هذا شأن الله، وإذا كان شأن الإنسان العجز عن تحقيق أمنياته فلا ينبغي أن يكون الإنسان إلا عبدا لله وحده
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى قال ابن كثير: (فإذا كان هذا في حق الملائكة المقربين فكيف ترجون- أيها الجاهلون-