قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أي آمركم بواحدة، أي بخصلة واحدة، وقد فسّرها الله عزّ وجل بقوله: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى أي إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلّصتم، وهي أن تقوموا لوجه الله خالصا، لا لحمية ولا عصبية، بل لطلب الحق اثنين اثنين، وفردا فردا ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلم، وما جاء به، والمراد بالقيام في الآية: القصد إلى الشئ، دون النهوض والانتصاب، والحكمة في تفرّقهم مثنى وفرادى أنّ الاجتماع مما يشوّش الخواطر، ويعمي البصائر، ويمنع من الرؤية، ويقل الإنصاف فيه، ويكثر الاعتساف، ويثور عجاج التعصّب، ولا يسمع فيه إلا نصرة المذهب، أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف، حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق، وكذلك الفرد يتفكّر في نفسه بعدل ونصفة، ويعرض فكره على عقله، وهذه الآية أصل في موضوع الدعوة إلى الله؛ إذ تبين أهمية الدّعوة الفردية ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ أي ليس بمحمد صلّى الله عليه وسلم جنون، والمعنى:
ثم تتفكروا فتعلموا أنه ليس بمحمد صلّى الله عليه وسلم من جنون إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ وهو عذاب الآخرة.
نقل:[عن صاحب الظلال]
قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: قُلْ: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا. ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ. إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ:
(إنها دعوة إلى القيام لله. بعيدا عن الهوى. بعيدا عن المصلحة. بعيدا عن ملابسات الأرض. بعيدا عن الهواتف والدوافع التي تشتجر في القلب، فتبعد به عن الله. بعيدا عن التأثر بالتيارات السائدة في البيئة. والمؤثرات الشائعة في الجماعة.
دعوة إلى التعامل مع الواقع البسيط، لا مع القضايا والدعاوى الرائجة؛ ولا مع العبارات المطاطة، التي تبعد القلب والعقل عن مواجهة الحقيقة في بساطتها.
دعوة إلى منطق الفطرة الهادئ الصافي، بعيدا عن الضجيج والخلط واللبس؛ والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة.