للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْغَيْبِ لم تتعرّض لها سورة لقمان؛ لأن قضية الإيمان تحدّثت عنها سورة العنكبوت، ومن قبل سورة آل عمران، ولأن إقامة الصلاة والإنفاق هما الرمز العملي على الإيمان بالغيب فكان الكلام عنهما كلاما عنه. ونلاحظ التشابه بين قوله تعالى في سورة البقرة وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وبين قوله تعالى في سورة لقمان الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ مع فارق هو أنه في سورة البقرة ذكر الإنفاق بشكل عام، وهاهنا ذكر إيتاء الزكاة، مما يدل على أن إيتاء الزكاة ركن الإنفاق. ثم نلاحظ أنه في سورة البقرة قد ورد: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ إلا أنه في سورة لقمان لم يذكر هذا؛ لأن هذا الموضوع تحدثت عنه سورة العنكبوت، وسورة آل عمران.

ثم نلاحظ التشابه الكامل بين قوله تعالى في سورة البقرة:

وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقوله تعالى في خاتمة الآيات التي مرّت معنا من سورة لقمان وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إذ وردت الألفاظ نفسها.

...

ولنمض في التفسير:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ أي يشتري كلّ كلام يصدّ عن آيات الله واتّباع سبيله، والاشتراء: إمّا من الشّراء، وإمّا من الاستبدال والاختيار لِيُضِلَّ. أي ليصدّ النّاس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن الدخول في الإسلام، واستماع القرآن بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جهلا منه بما عليه من الوزر بذلك وَيَتَّخِذَها هُزُواً أي ويتخذ سبيل الله هزوا، يستهزئ بها أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي مذل. فكما استهانوا بآيات الله وسبيله، فإنهم يهانون يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر

وَإِذا تُتْلى أي تقرأ عَلَيْهِ أي على هذا المشتري لهو الحديث آياتُنا أي القرآن وَلَّى مُسْتَكْبِراً أي أعرض عن تدبّرها متكبّرا، رافعا نفسه عن الإصغاء إلى القرآن. قال ابن كثير: (إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولّى عنها، وأعرض وأدبر، وتصامم- وما به من صمم- كأنّه ما سمعها؛ لأنّه يتأذّى بسماعها؛ إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أي ثقلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>