للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طوى الكلام إلا عن الإخبار بما حدث لقومه بعده، وفي ذلك نوع إشعار بالخطإ في الاستعجال انعكس على الأمة بأسرها، وفي ذلك درس لأهل الإيمان بالالتزام

الحرفي بالوحي أئمة ومأمومين، وهذا كله نفهمه من استعمال حرف الفاء في الجواب التي فيها ظلال السببية قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ .. ولننتقل إلى الآيات التالية:

قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أي ألقيناهم في فتنة مِنْ بَعْدِكَ من بعد خروجك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أي بدعائه إياهم إلى عبادة العجل، وإجابتهم له

فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ من مناجاة ربه غَضْبانَ أَسِفاً أي شديد الغضب، شديد الحزن، وكيف لا يغضب ويحزن وهم قد عبدوا غير الله مما يعلم كل ذي عقل بطلان ما عبدوه، وموسى فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم ما فيه هدايتهم وشرفهم من ربهم قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً قال ابن كثير: أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة، وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم، وإظهاركم عليه، وغير ذلك من أيادي الله؟؟ أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي في انتظار ما وعدكم الله، ونسيان ما سلف من نعمه، وما بالعهد من قدم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي بل أردتم بصنيعكم هذا أن تفعلوا فعلا يجب به عليكم الغضب من ربكم فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي أي ما وعدتموني إياه في توحيد الله وإقامة أمره

قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي عن قدرتنا واختيارنا، أي ما أخلفنا موعدك إن ملكنا أمرنا، أي لو ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا لما أخلفنا موعدك، ولكنا غلبنا عليه، ثم بينوا كيف غلبوا بكيد السامري حيث أتاهم بمنطق في غاية الخبث، وها هم شرعوا في تبيانه وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي أثقالا من حلي القبط، أرادوا أنها آثام وتبعات لأنهم استعاروها ليلة الخروج من مصر وأخذوها فَقَذَفْناها أي فألقيناها عنا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ تحتمل أنه ألقى كما ألقوا، وتحتمل أن مثل هذا الإلقاء أي الوسوسة ألقى لهم السامري، أتاهم من منطق الورع الكاذب، ليصل بهم إلى الكفر، أتاهم أنكم خنتم المصريين يوم استعرتم حليهم استعارة، ثم أخذتموها، فهذا غير مباح لكم، فعليكم أن تتخلوا عنه، ونسي الخبيث أن موسى ما أمرهم بهذا إلا بأمر الله، وأن الله هو الذي يحل ويحرم فما أحله فهو الحلال، وما حرمه فهو الحرام

فَأَخْرَجَ لَهُمْ السامري من هذا الذهب عِجْلًا جَسَداً أي مجسدا لَهُ خُوارٌ له صوت، فهو محكم الصنعة جدا، فمالت طباعهم إلى الذهب، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>