البشر لِيَذَّكَّرُوا أي ليتعظوا، فإن لم يذكّرهم مقطع منه ذكرهم مقطع آخر، وإن لم يذكرهم مقطع ذكرتهم سورة، وإن لم تذكرهم سورة ذكرتهم سورة أخرى، وإن لم تذكرهم سورة ذكرتهم مجموعة سور، أو قسم من أقسام القرآن. وقوله لِيَذَّكَّرُوا يفيد أن هذا القرآن إنما يأتي الإنسان بما هو مستقر في عقله وقلبه من حقائق إن لم يكن مريضا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً أي وما يزيد هذا القرآن الكافرين والظالمين إلا نفورا عن الحق، وبعدا منه؛ بسبب مرض قلوبهم، وعقولهم، وأنفسهم، وأرواحهم، وانعكاس تصوراتهم، وغلبة شهواتهم؛ هذه الآية هي مقدمة المقطع. وبعد أن بيّن الله عزّ وجل ما تقوم به الحجة بهذا القرآن، وبين هذا الحال الغريب المريض منهم، أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يخاطب عقولهم لمعالجة نفورهم
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ أي كما يدّعون ويزعمون ويعتقدون إِذاً هذا جواب للافتراض وللقول لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ أي صاحب العرش ومالكه وهو الله سَبِيلًا أي طريقا يتقربون به إليه، قال ابن كثير: يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفا، لو كان الأمر كما يقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه، وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه، ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم وحده، كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه، فإنه لا يحب ذلك، ولا يرضاه بل يكرهه ويأباه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه.
ثم نزّه الله ذاته عن قولهم، وبيّن أن كل شئ ينزّهه. وفي هذا رد عليهم وتبيان لهم أنه تعالى يستحق العبادة وحده فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى أي تنزيها له، وترفع جل جلاله عَمَّا يَقُولُونَ أي هو منزّه أن يكون له شريك، ويترفع عن أن يرضى أن يشرك معه غيره، تعالى تعاليا عما يقوله الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى. ومن ثم فهم يعبدونهم ولا يعبدونه عُلُوًّا كَبِيراً أي تعالى تعاليا كبيرا عن مزاعمهم، بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وصف علوه بالكبر للتأكيد على معنى البراءة والبعد مما وصفوه به
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قال ابن كثير:
يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض، ومن فيهن أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجّله وتكبّره عمّا يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي وما من شئ من المخلوقات إلا يسبّح بحمد الله أي يقول سبحان الله وبحمده بلسان المقال، أو بلسان الحال، لأنه يدل الناظر