أقول بهذه المناسبة: إن ذكر الزبور في هذا السياق يدل على شرف داود عليه السلام إذ يخصه الله به، وفيه إشارة إلى شرف محمد صلّى الله عليه وسلّم، إذ يخصه الله بما هو أشرف من الزبور، وهو القرآن الكريم، والزبور كتاب سماوي لكنه قد خالطه التحريف والتغيير، حتى خالط بعض فقراته الكفر والشرك، كما حدث لغيره، ثم هو قد اختلط بغيره زيادة على تحريفه، فمثلا تعثر في كتب العهد القديم على ما يسمى المزامير.
ومجموعتها مائة وخمسون قطعة، يسمون كل قطعة منها مزمورا، إلا أننا نلاحظ أنهم ينسبون بعض هذه المزامير إلى إيثان الأزراحي، وبعضها لبني قورح، وبعضها لآساف، المشهور عند المسلمين بآصف بن برخيا، ثم تجدهم يذكرون عند بعض المزامير ما يشير إلى أنها من تأليف داود نفسه، ويذكرون مناسبتها ولا يفوت الرباني أن يحس أثناء قراءة بعضها أن عليها جلالا ربانيا، ولله في ألا تصلنا الكتب السماوية السابقة- كما هي- حكم، من جملتها أن نستغني بهذا القرآن عما سواه. وقد جمع الله به من الجلال والكمال في المبنى والمعنى، ما يغني ويكفي.
١١ - [فائدة حول سبب نزول آية وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ]
في سبب نزول قوله تعالى وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً. قال ابن كثير: (قال سنيد، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، قال:
قال المشركون: يا محمد، إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء، فمنهم من سخرت له الريح، ومنهم من كان يحيي الموتى، فإن سرّك أن نؤمن بك ونصدّقك، فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبا. فأوحى الله إليه:«إني قد سمعت الذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا، فإن لم يؤمنوا نزل العذاب، فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة، وإن شئت أن نستأني بقومك استأنيت بهم» قال: «يا رب استأن بهم» وكذا قال قتادة، وابن جريج وغيرهما. وروى الإمام أحمد ... عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم. قال:«لا، بل استأن بهم» وأنزل الله تعالى وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآية. ورواه النسائي وابن جرير به وروى الإمام أحمد ... عن ابن عباس: قالت قريش للنبي صلّى الله عليه وسلّم ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا، ونؤمن بك قال:«وتفعلون؟» قالوا: نعم: فدعا، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا. فمن كفر منهم بعد ذلك