قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلم فينا بمكة، وكان اسمه (بلعام) وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا:
إنما يعلّمه بلعام فأنزل الله هذه الآية وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ وقال عبيد الله بن مسلم: كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما فكان صلّى الله عليه وسلّم يمرّ بهما، فيقوم فيسمع منهما، فقال المشركون يتعلم منهما فأنزل الله هذه الآية. وقال الزهري عن سعيد بن المسيب:
الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارتد ذلك عن الإسلام وافترى هذه المقالة قبّحه الله.
٨ - [روايات حول قضية الإكراه على الكفر بمناسبة الآية .. إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ... ]
عند قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ قال ابن كثير:«وقد روى العوفي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فوافقهم على ذلك مكرها، وجاء معتذرا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنزلت هذه الآية. وهكذا قال الشعبي
وقتادة وأبو مالك.
وروى ابن جرير ... عن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئنا بالإيمان. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إن عادوا فعد».
ورواه البيهقي بأبسط من ذلك، وفيه أنه سب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله: ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير قال: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئنا بالإيمان فقال: «إن عادوا فعد» وفي ذلك أنزل الله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي؛ إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يستقتل كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أحد أحد.
ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها. رضي الله عنه وأرضاه.
وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع. فلم يزل يقطعه