وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها أي وما ينبغي لنا وما يصح إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا أي إلا أن يكون سبق في مشيئته أن نعود فيها إذ الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى خيرها وشرها وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي هو عالم بكل شئ فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتقلب عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا في أن يثبتنا على الإيمان، ويوفقنا لازدياد الإيقان، ويحمينا من مراد الأعداء رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ أي احكم، والفتاحة الحكومة، والقضاء بالحق يفتح الأمر المغلق، فلذا سمي فتحا، وكان أهل عمان يسمون القاضي فتاحا. وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ أي خير الحاكمين.
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ أي مغبونون لفوات فوائد البخس والتطفيف باتباعه لأنه ينهاكم عنها ويحملكم على الإيفاء والتسوية
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الزلزلة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ أي ميتين
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أي كأن لم يقيموا فيها الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ لا من اتبعه- كما زعم الكافرون- وفي التعبير ما يفيد:
الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا كأن لم يقيموا في دارهم؛ لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله، الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه فهم الرابحون، وفي التكرار مبالغة واستعظام لتكذيبهم ولما جرى عليهم
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ بعد ما نزل بهم العذاب وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى أي أحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ويحتمل أنه يريد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حل بكم، فلم تصدقوني فكيف آسى عليكم. كما يحتمل أنه حزن على قومه ثم أنكر على نفسه فقال: كيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم؛ لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم.