الناس لا تدين للطاغوت. إن وجود جماعة مسلمة في الأرض، لا تدين إلا لله، ولا تعترف بسلطان إلا سلطانه، ولا تحكم في حياتها شرعا إلا شرعه، ولا تتبع في حياتها منهجا إلا منهجه .. إن وجود جماعة مسلمة كهذه يهدد سلطان الطواغيت- حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها وتركت الطواغيت لحكم الله حتى يأتي موعده.
إن الطاغوت يفرض المعركة فرضا على الجماعة المسلمة- حتى لو آثرت هي ألا تخوض معه المعركة- إن وجود الحق في ذاته يزعج الباطل. وهذا الوجود ذاته هو الذي يفرض عليه المعركة مع الباطل .. إنها سنة الله لا بد أن تجري .. قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا. هكذا في تبجح سافر، وفي إصرار على المعركة لا يقبل المهادنة والتعايش! إلا أن قوة العقيدة لا تتلعثم ولا تتزعزع أمام التهديد والوعيد .. لقد وقف شعيب عليه السلام عند النقطة التي لا يملك أن يتزحزح وراءها خطوة .. نقطة المسالمة والتعايش- على أن يترك لمن شاء أن يدخل في العقيدة التي يشاء، وأن يدين للسلطان الذي يشاء:
في انتظار فتح الله وحكمه بين الفريقين- وما يملك النبي أن يتراجع خطوة واحدة وراء هذه النقطة، تحت أي ضغط أو أي تهديد من الطواغيت .. وإلا تنازل كلية عن الحق الذي يمثله .. فلما أن تلقى الملأ المستكبرون عرضه هذا بالتهديد بالإخراج من قريتهم أو العودة في ملتهم، صدع شعيب بالحق، مستمسكا بملته، كارها أن يعود في الملة الخاسرة التي أنجاه الله منها، واتجه إلى ربه وملجئه ومولاه يدعوه ويستنصره ويسأله وعده بنصرة الحق وأهله:
وفي هذه الكلمات القلائل تتجلى طبيعة الإيمان، ومذاقه في نفوس أهله، كما تتجلى طبيعة الجاهلية ومذاقها الكريه. كذلك نشهد في قلب الرسول ذلك المشهد الرائع ..
مشهد الحقيقة الإلهية في ذلك القلب وكيف تتجلى فيه. قالَ: أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ؟.
يستنكر تلك القولة الفاجرة: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا .. يقول لهم: أتجبروننا على ما نكره من ملتكم التي أنجانا الله