العظيم المتلاطم الأمواج المخيف، يمنّ الله على عباده بتذليله وتيسيره لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا فلحم حيواناته أكثر أنواع اللحوم طراوة وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً كاللؤلؤ والمرجان تَلْبَسُونَها أي تلبسها نساؤكم لكم، وإنّما يتزيّن من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم وَتَرَى الْفُلْكَ أي السفن مَواخِرَ فِيهِ أي جواري تجري فيه جريا، وتشق الماء شقا وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ بالتجارة والتصدير والاستيراد وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الله على ما أنعم عليكم به
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي لئلا تضطرب، ومن المعروف الآن في علم الجيولوجيا أنه لولا الجبال لكانت تمزقات القشرة الأرضية والبراكين والزلازل من الكثرة بحيث تستحيل الحياة وَأَنْهاراً أي وجعل فيها أنهارا وَسُبُلًا أي طرقا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي إلى مقاصدكم
وَعَلاماتٍ أي وجعل فيها علامات وهي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي وبالنجم خصوصا هم يهتدون، وهل المراد
به نجم واحد فيكون نجم القطب، أو كل جنس النجم فيكون المراد كل النجوم؟ المرجح الثاني، وهداية الإنسان في صحرائه وبحره وأرضه بواسطة النجم شئ معروف على تفاوت بين الناس في هذا الموضوع، ومن المعلوم أن الدول البحرية تصدر كتبا سنوية ليستطيع البحارة بواسطة آلات معينة أن يعرفوا مكانهم من خلال مواقع النجوم في اللحظة التي هم فيها
أَفَمَنْ يَخْلُقُ وهو الله كَمَنْ لا يَخْلُقُ كغيره ممّن سمّوهم آلهة أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتعرفون أن العبادة لا تنبغي إلا له إقرارا وشكرا،
ثم نبّه على كثرة نعمه وإحسانه فقال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها أي لا تضبطوا عددها، ولا تبلغه طاقتكم، فضلا أن تستطيعوا القيام بحقها من أداء الشكر، وإنّما أتبع ذلك ما عدّد من نعمه تنبيها على أن ما وراءها لا ينحصر ولا يعدّ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذّبكم لعذّبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنّه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازي على اليسير، قال ابن جرير في ذلك: إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة، وهكذا قررت الآيات وحدانية الله من خلال تقرير أنه الخالق وحده، وأنّه هو الذي سخّر كل شئ لصالح الإنسان، فقامت الحجة على وجوده بذلك، وعلى استحقاقه وحده العبادة شكرا له.