بِالْقِسْطِ. ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث عبيد الله بن موسى بنحوه».
ومن خلال النظر في سبب النزول هذا للآيات نفسها ندرك كذلك حالة من الحالات التى تدخل تحت عموم اللفظ، ويؤكد لنا سبب النزول وحدة المقطع كله كما ذكرناه، وتبقى الحالات التي تدخل تحت عموم ألفاظ النّص كثيرة، فلنفهم مدلولات القرآن بأوسع ما تدل عليه لا بأضيقه.
١٠ - وفي سبب نزول آخر آيات المقطع نذكر هذه الرواية: روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صلوبا، وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس، بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلّنا نفتنه عن دينه!، فأتوه، فقالوا: يا محمد إنّك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وإنّا إن اتّبعناك اتّبعنا يهود ولم يخالفونا، وإنّ بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك!، فأبى ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله- عزّ وجل- فيهم وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ إلى قوله لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
ونرى من خلال هذه الرواية، نوعا من أنواع التآمر، يظهر بصيغته البسيطة هذه، في هذه القصة، ويأخذ شكلا معقدا في عصرنا، وفي كل حال يبقى الأمر بالحكم بما أنزل الله، وتنفيذه هو العاصم من كل تآمر، والانحراف دليل الوقوع في التآمر. ولعلّه لاحظنا من خلال أسباب النزول، نوعا من الخلل وقع فيه بنو إسرائيل، ولعلّه وضح لدينا أنّ هذا النوع من الخلل وقعت فيه أكثرية الأمّة الإسلامية، وأنه لا بدّ من عودة شاملة إلى القرآن والسنّة، ولا شك أن دون ذلك قوى عاتية ومؤسسات، وعلينا أن نتجاوز ذلك كله بإذن الله.
[كلمة في السياق]
لقد قلنا إن سورة المائدة امتداد لسورة النساء من ناحية، وهي في الوقت نفسه تفصّل في آيتي البقرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ... إلى قوله وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ من ناحية ثانية، فمن حيث إنها امتداد لسورة النساء فإن هذا المقطع يؤكد أنه لا تقوى إلا بتحكيم ما أنزل الله، ومن حيث إنها تفصّل آيتي البقرة