(نزلت بمكة كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير- رضي الله تعالى عنهم- وفي البحر وأنها مكية بلا خلاف، وأطلق ذلك فيها، واستثنى منها في الإتقان قوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ الآية. وهي مائة واثنتا عشرة آية في عد الكوفي، وإحدى عشرة في عد الباقين، كما قاله الطبرسي والداني، ووجه اتصالها بما قبلها غني عن البيان، وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة، فقد أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية. وابن عساكر عن عامر بن ربيعة أنه نزل رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ إلى آخره.
وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قوله:
بنو إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي
دل هذا الأثر على أن سورة الأنبياء من السور التي نزلت قديما، وذكرها في هذا الترتيب الموافق للرسم القرآني فيه دليل على أن ترتيب القرآن كما هو مرسوم كان معلوما للصحابة رضوان الله عليهم، فالأثر يصلح أن يكون من جملة الأدلة على أن ترتيب هذا القرآن توقيفي)
[كلمة في سورة الأنبياء]
قلنا من قبل: إن محور سورة الأنبياء هو قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ تأمل هاتين الآيتين، ثم انظر الآيات الثلاث الأولى من سورة الأنبياء، تجد مصداق ما قلناه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
ثم بعد هذه الآيات تأتي آية هي: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ