يرجح ابن كثير أن القائلين هم كفار العرب. ويرجح هذا الاتجاه ذكر الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فيما مضى على أنهم غير اليهود والنصارى ممن لا وحي سماويا عندهم. ونحن نرجح أنه يدخل في كلمة الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هنا كل من يسأل هذه الأسئلة، سواء كان ملحدا، أو مشركا، أو كتابيا في الأصل، فإنه بسؤاله مثل هذه الأسئلة دخل في سلك الذين لا يعلمون. إن هذه الطبقة الجاهلة من الناس تعلق الإيمان على تكليم الله إياها، أو على مجئ الآيات هذا مع أن الآيات الكافية للإيمان موجودة ولكنه التعنت.
إن هذا النوع من المطالب المتعنتة ليس جديدا على منطق الكفر بل هو طريق الكفار في كل عصر. لذلك قال تعالى: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ. وقد ناقشنا هذا الموضوع في أول كتابنا (الله جل جلاله) وبينا في ذلك الكتاب أن هذا الطلب غير علمي وغير عقلي. وقد رد الله عزّ وجل على هؤلاء هنا بقوله: قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ فالآيات موجودة وهي كافية لأهل اليقين بوجود الله. وذكر كلمة يُوقِنُونَ هنا يشعر بأن طلاب هذه المطالب طالبوا بها من أجل الإيمان برسول الله، فكأنهم قالوا فليكلمنا الله شاهدا أنك رسوله، أو فلتأتنا آية تدلنا على ذلك. فكان الجواب أن الآيات قد جاءت واضحة لمن كان عنده يقين بالله.
قال القرطبي في لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أي يخاطبنا بنبوتك قال ابن كثير: وهو ظاهر السياق.
[المعنى الحرفي]
وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ من المشركين والملحدين وأهل الكتاب الذين بتركهم العمل بما يعلمون أصبحوا لا يعلمون لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أي هلا يكلمنا الله كما يكلم الملائكة، أو هلا يكلمنا الله بنبوتك أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ أي معجزة تشهد على نبوتك ورسالتك يا محمد صلى الله عليه وسلم وإنما قالوا هذا جحودا واستهانة لأن يكون ما آتى الله محمدا صلى الله عليه وسلم من الآيات كافيا للإيمان كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ إنها عقلية واحدة، عقلية الجحود والشك في كل عصر ومصر تتكلم بلغة واحدة تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ أي تشابهت قلوب هؤلاء ومن قبلهم، في العمي، والجحود، والشك؛