وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ولاحظ قوله تعالى هنا في المقطع أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ فههنا حديث عن أفعال يستحق بها أصحابها إضلال الله لهم، هذه الأفعال هي أكل السحت، والسماع للكذب وقبوله، والتجسس للكافرين والمنافقين على المؤمنين، والمسارعة إلى الكفر، وفي ذلك نقض للعهد، وإفساد في الأرض، وقطع ما أمر الله به أن يوصل.
وفي هذا السياق يحدثنا المقطع عن أن الحكمة في إنزال التوراة والإنجيل هي أن يحكم بهما، وأن يحتكم لهما، وأنّ من لم يحكم بكتاب الله فهو كافر ظالم فاسق، فإذا كان هذا هو الشأن في التوراة والإنجيل فما بالك بالقرآن الذي أنزله الله- عزّ وجل- مصدّقا للكتب ومهيمنا عليها. وفي سياق التحذير من الاحتكام لغير القرآن يقول- عزّ وجل- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ مما يدل على أن ترك حكم الله ردّة، والاحتكام إلى الأهواء فسوق يستحق به أصحابه الإضلال. فهذا الجزء من المقطع إذن يفصّل لنا مظهرا من مظاهر الفسوق الذي يحدثنا عنه محور السورة من البقرة وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ إن هذا الجزء من المقطع يفصّل في الفسوق فيرينا نموذجا منه هو رفض الاحتكام إلى كتاب الله، أو الرغبة في تحكيم غيره، أو الحكم بسواه، وذلك يدخل في نقض العهد، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض.
إن المقطع ينتقل من تقرير الأخلاق التي يستحق بها أصحابها زيغ القلب، إلى ذكر تخيير الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أهل الكتاب في أن يحكم بينهم أولا، فإذا حكم فإنه يأمره أن يحكم بالقسط، ومن مثل هذه الشئون ينتقل السياق للكلام عن حكمة إنزال الكتب، ليقرر كفر من لم يحكم بما أنزل الله، وظلمه، وفسقه، ثمّ يمضي السياق كما سنرى بانيا على ما مر بما ينير لهذه الأمة طريقها المستقيم.
[المعنى العام]
ابتدأ المقطع بالكلام عن المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة الله ورسوله،