بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ الفحشاء: ما أفرط قبحه، والمنكر: ما تنكره النفوس فتنفر عنه، ولا ترتضيه، وقد جاءت الشريعة محددة لكل ما تستفحشه الفطرة، وتستنكره الأنفس الصافية، والعقول الكاملة وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً أي لولا أنه يرزق من يشاء التوبة، والرجوع إليه، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودنسها، وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي أي يطهر نفس مَنْ يَشاءُ من خلقه، ويضل من يشاء، ويرديه في مهالك الضلال والغي وَاللَّهُ سَمِيعٌ أي سميع لأقوال عباده عَلِيمٌ بمن يستحق منهم الهدى والضلال.
[كلمة في السياق]
جاء هذا النداء بعد مجموعتين سابقتين عليه، عرض فيهما نماذج على خطوات الشيطان، وعلى ما يأمر به من فحشاء كالزنا، وعلى ما يأمر به من منكر كالقذف، وإذن فالصلة واضحة بين هذا النداء وبين ما قبله، كما أن الصلة واضحة بينه وبين محور السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة: ٢٠٨، ٢٠٩).
إنه في المجموعتين السابقتين ذكرت أحكام وآداب من الإسلام، أمرنا بمراعاتها وإقامتها، فهي تفصيل لقوله تعالى ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وتأتي هذه المجموعة لتؤكد النهي وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وفي قوله تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً تأكيد لقوله تعالى فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فإذا وقع الزلل لا تيأس أن يزكيك الله، واطلب منه التوبة والمغفرة والتزكية، إن الصلة بين الآية الأولى من المجموعة الثالثة، وبين ما قبلها، وبينها وبين محور السورة من سورة البقرة واضحة.
وَلا يَأْتَلِ أي ولا يحلف أُولُوا الْفَضْلِ أي في الدين مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أي في الدنيا أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لا تحلفوا أن لا تصلوا قراباتكم والمساكين والمهاجرين ولو أساءوا وظلموا، أو لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم وإن كانت بينكم وبينهم شحناء، لجناية اقترفوها وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا العفو: الستر، والصفح: الإعراض، وليتجاوزوا عن الجفاء،