رَكَّبَكَ أي: في صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح، والطول والقصر. أي: عدلك في أي صورة من الصور ركبك فيها. روى ابن أبي حاتم: أن عمر سمع رجلا يقرأ يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ فقال عمر: الجهل.
وروى أيضا عن يحيى البكاء قال: سمعت ابن عمر يقرأ هذه الآية يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ويقول: غره والله جهله).
[كلمة في السياق]
١ - رأينا في الفقرة السابقة هذا الخطاب الشديد للإنسان يوم القيامة، والذي يفيد أن الإنسان الكافر قد غره شئ ما حتى ترك العمل مع كل ما فعله الله عزّ وجل له.
ورأينا كلمة عمر رضي الله عنه التي تفيد أن الجهل هو السبب في ذلك، وصلة ذلك بمحور السورة على الشكل التالي: أمر الله عباده في محور السورة بالعبادة والتقوى، وعلل للأمر بعبادته بخلقه لهذا الإنسان، وإنعامه عليه، ولكن كثيرين لا يعبدون الله ولا يتقونه جهلا منهم، هؤلاء يقرعهم الله عزّ وجل على ذلك هذا التقريع.
٢ - في الفقرة الأولى من السورة هيجت السورة على أن تقدم كل نفس لنفسها، والفقرة الثانية بينت أن ما يقتضيه إنعام الله على الإنسان بهذا الخلق السوي المستقيم المعتدل. شيئا آخر غير الكفران، وهو معرفة الله عزّ وجل وتقواه، لاحظ صلة قوله تعالى هاهنا الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ بقوله تعالى في المحور الَّذِي خَلَقَكُمْ.
٣ - وبعد أن هيجت الفقرتان الأولى والثانية على العمل الصالح والشكر الذي هو عبادة وتقوى، من خلال عرض مشهدين من مشاهد يوم القيامة، تأتي الفقرة الثالثة لتبين العلة الحقيقية في الاغترار بالله عزّ وجل، هذه العلة هي التكذيب بيوم الدين، فلنر الفقرة الثالثة.