يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ قال ذو النون المصري: الخلق محتاجون إليه في كل نفس وخطرة ولحظة، وكيف لا، ووجودهم به، وبقاؤهم به. وقال ابن كثير: أي هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو تعالى الغني عنهم بالذات. ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ عن الأشياء أجمع فهو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له الْحَمِيدُ المحمود في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ قال النسفي:(أي إن يشأ يذهبكم كلكم إلى العدم؛ فإن غناه بذاته لا بكم في القدم، ويأت بخلق جديد، وهو بدون حمدكم حميد)
وَما ذلِكَ أي الإنشاء والإفناء عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أي بممتنع. قال ابن كثير في الآية:(أي لو شاء لأذهبكم أيها الناس، وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع). وهذا واحد من مظاهر افتقاركم وغناه
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى. والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، لا تؤاخذ نفس بذنب نفس وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ أي بالذنوب أحدا إِلى حِمْلِها أي ثقلها أي ذنوبها ليتحمّل عنها بعض ذلك لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ أي المدعو ذا قُرْبى أي ذا قرابة قريبة كأب أو ولد أو أخ. قال ابن كثير: أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار- أو بعضه- لا يحمل منه شئ، ولو كان ذا قربى أي وإن كان قريبا إليها حتى ولو كان أباها أو ابنها، كلّ مشغول بنفسه وحاله.
[كلمة في السياق]
ما محل هذه الآية الأخيرة في السياق وما صلتها بما قبلها؟
بعد أن قرر الله عزّ وجل افتقار الخلق وغناه جل شأنه وقدرته على الإنشاء والإفناء جاء بهذه القاعدة الكلية العادلة ليبين أن طلبه العبادة من خلقه ليس لاحتياجه إلى ذلك