للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قال صاحب الظلال في تقديمه لسورة النجم:]

قال صاحب الظلال في تقديمه لسورة النجم: (هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية، منغمة، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة. ويلحظ هذا التنغيم في السورة بصفة عامة، ويبدو القصد فيه واضحا في بعض المواضع؛ وقد زيدت لفظة أو اختيرت قافية، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه، إلى جانب المعنى المقصود الذي تؤديه في السياق كما هي عادة التعبير القرآني، مثل ذلك قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ...

فلو قال ومناة الأخرى ينكسر الوزن. ولو قال: ومناة الثالثة فقط يتعطل إيقاع القافية. ولكل كلمة قيمتها في معنى العبارة. ولكن مراعاة الوزن والقافية كذلك ملحوظة. ومثلها كلمة (إذن) في وزن الآيتين بعدها: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى! فكلمة (إذن) ضرورية للوزن. وإن كانت- مع هذا- تؤدي غرضا فنيا في العبارة ... وهكذا).

[كلمة في سورة النجم ومحورها]

في سورة الذاريات ورد قوله تعالى في وصف المتقين: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ* كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وفي سورة الطور ورد قوله تعالى في وصف المتقين: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ* فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ وفي سورة النجم يرد قوله تعالى: وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ثم يأتي قوله تعالى معرفا المحسنين: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى. في السورتين السابقتين ذكر ما عليه المتقون، وفي سورة النجم يذكر ما يجتنبه المتقون، وفي ذلك مظهر من مظاهر التكامل بين السور الثلاث التي تفصل في محور واحد، ونلاحظ أن ما فصلته سورة الذاريات في قضية المتقين عرضته بما يربي عليه، وما فصلته سورة الطور عرضته بما يحقق فيه، وما تفصله سورة النجم تعرضه بما يدفع نحوه، والمحور واحد، وكل سورة تضيف إلى البناء شيئا جديدا، وتضعه ضمن سياق يحمل عليه ويحقق فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>