للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكمل للمقطعين السابقين، فهما في ركن الإيمان، وهو في ركن اتباع الكتاب، فالمقطع إذن آخذ مكانه في السياق العام لسورة النساء، المرتبط بالسياق العام لسورة البقرة، على النسق العام لمعاني القرآن حسب تسلسلها الذي لا يحيط بحكمه إلا الله.

[المعنى الحرفي]

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ كهود وصالح وشعيب، وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ. أي:

أولاد يعقوب وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً.

الزبور: اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام.

وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ. أي: من قبل نزول هذه السورة. وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ. أي: رسلا آخرين لم يذكروا في القرآن. وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. أي: بلا واسطة. وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة.

رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. أي: يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره، وكذب رسله بالعقاب والعذاب. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. أي: لئلا يبقى لمعتذر عذر. والمعنى إرسالهم إزاحة للعلة، وتتميم لإلزام الحجة، لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة، وينبهنا بما وجب الانتباه له، ويعلمنا ما سبيل معرفته السمع، كالعبادات والشرائع، مقاديرها وأوقاتها وكيفياتها وغير ذلك. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله- عزّ وجل- من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين». وفي لفظ آخر. «من أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل كتبه». وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً عزيزا في العقاب على الإنكار، حكيما في بعث الرسل للإنذار.

لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ ومعنى شهادة الله بما أنزله إليه، إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات إذ الحكيم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ. أي: أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك، وأنك مبلغه، أو أنزله بما علم من مصالح العباد، والدليل على أن إنزاله القرآن بعلمه، أن في هذا القرآن ما لا يمكن أن يصل إليه علم الإنسان مطلقا كالغيوب، أو ما لا يمكن أن يصل إليه علم الإنسان- خاصة في زمن نزول القرآن- ككثير من

<<  <  ج: ص:  >  >>