مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ أي إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فهو استثناء ممن كفر بلسانه، ووافق المشركين بلفظه، مكرها لما ناله من ضرب وأذى. وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله، فهو مستثنى من الأحكام التي لها علاقة بالمرتدين وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً أي طاب به نفسا واعتقده فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
ذلِكَ أي الغضب والعذاب بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أي ولأن سنته أنه لا يهدي القوم الكافرين ما داموا مختارين للكفر
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ أي الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها
لا جَرَمَ أي لا بد أي حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ أي الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
ثم بيّن الله عزّ وجل أن هؤلاء الذين أكرهوا على الكفر إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا فإن الله سيغفر لهم فقال: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا أي بالعذاب والإكراه على الكفر ثُمَّ جاهَدُوا المشركين بعد الهجرة وَصَبَرُوا على الجهاد إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي تلك الفعلة وهي الإجابة إلى الفتنة لَغَفُورٌ لهم رَحِيمٌ بهم يوم معادهم، يغفر
لهم ما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية، رحيم لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه
يَوْمَ أي إن الله لغفور رحيم لهم يوم تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها أي يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره ليس أحد يحاجّ عن أحد، لا أب ولا ابن ولا أخ ولا زوجة وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي تعطى جزاء عملها من خير أو شر وافيا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي لا ينقص من ثواب الخير ولا يزاد على ثواب الشر.
وهكذا بينت هاتان الآيتان أن علامة عدم اطمئنان القلب بالكفر عند الإكراه هو الهجرة والجهاد إذا تيسرت ظروف ذلك.
وقبل أن نكمل تفسير المجموعة الثالثة نحب أن نذكر كلمة حول السياق ثمّ نتابع التفسير.
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور سورة النحل هو التذكير باليوم الآخر في معرض الأمر بالدخول في