للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجود ربه، وربوبيته التي تقتضي الطاعة والعبودية والخضوع. والاستفهام فيه معنى التعجيب. وأي عجب أكبر من أن يبطر الإنسان النعمة. فبدلا من أن يشكر المنعم، يكفر. وذلك أن سبب محاجة هذا الإنسان، إبراهيم: أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ أي: لأن الله آتاه الملك. أي: إن إيتاءه الملك أبطره، وأورثه الكبر، فحاج إبراهيم. إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ: هذا مضمون الحوار الذي تم بين إبراهيم، ونمرود.

فكأن نمرود قال: من ربك؟. فقال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت قالَ نمرود:

أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ: يريد- عليه اللعنة- أنه يعفو عن القتل، ويقتل. وجوابه هذا دليل على انقطاعه عن الخصومة، وعجزه عن الجواب. فلما عاند اللعين حجة الإحياء بتخلية واحد، وقتل آخر. كلمه من وجه لا يعاند- وكانوا أهل تنجيم- فقال: إن مقتضى الربوبية: السيطرة، والهيمنة على هذا الكون، بتسخير أجرامه. فإن كنت ربا، فغير حركة الشمس. قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ: كلمه بحركة الشمس كما تبدو للناظر فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي: تحير، ودهش. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي: لا يوفقهم ولا يلهمهم حجة في مناقشة أهل الحق.

[فوائد]

١ - دلت الآية على إباحة الكلام في علم التوحيد، والمناظرة فيه. لأنه قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ ... والمحاجة تكون بين اثنين. فدل على أن إبراهيم حاجه أيضا ولو لم يكن مباحا، لما باشرها إبراهيم عليه السلام. لكون الأنبياء عليهم السلام معصومين عن ارتكاب الحرام. ولأنا أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإيمان بالله وتوحيده.

وإذا دعوناهم إلى ذلك لا بد أن يطلبوا منا الدليل. وذا لا يكون إلا بعد المناظرة. فمعرفة الأدلة على وجود الله، ومعرفة الأدلة على بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأدلة على صحة دين الإسلام، وإقامة الحجة بذلك على الكافرين. كل ذلك مطلوب محمود. وقد جمعنا في ذلك سلسلة الأصول الثلاثة: (الله جل جلاله) و (الرسول صلى الله عليه وسلم) و (الإسلام) من أجل هذا.

٢ - محل هذه الآية في السياق واضح. ففي الآيات السابقة حديث عن الله. وفي هذه الآية عرض مناقشة بين رسول وكافر، حول وجود الله، وربوبيته، وقيام الحجة

<<  <  ج: ص:  >  >>