للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتخاصموا ولا تذهبوا بددا. يا أيها الناس. والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم .. من ذكر وأنثى. وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل. إنها ليست التناحر والخصام. إنما هي التعارف والوئام. فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات، فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات.

وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله، إنما هنالك ميزان وحد تتحدد به القيم، ويعرف به فضل الناس: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .. والكريم حقا هو الكريم عند الله. وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وهكذا تسقط جميع الفوارق، وتسقط جميع القيم، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة. وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر، وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان. وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض، وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس. ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون: ألوهية الله للجميع، وخلقهم من أصل واحد. كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته: لواء التقوى في ظل الله. وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من عقابيل العصبية للجنس، والعصبية للأرض، والعصبية للقبيلة، والعصبية للبيت، وكلها من الجاهلية وإليها، تتزيا بشتى الأزياء، وتسمى بشتى الأسماء. وكلها جاهلية عارية من الإسلام! وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها؛ ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة: راية الله ..

لا راية الوطنية. ولا راية القومية. ولا راية البيت. ولا راية الجنس. فكلها رايات زائفة لا يعرفها الإسلام.)

كلمة في السياق: [الآية (١٣) حول الصلة بينها وبين ما قبلها وعلامتها بسياق السورة وبمحورها]

١ - جاءت هذه الآية بعد الآيتين اللتين نهتا عن السخرية والاستهزاء والطعن واللمز وسوء الظن والغيبة؛ لتقرر أن الله عزّ وجل جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا، لا ليتفاخروا، ولا لينظر بعضهم إلى بعض باحتقار وازدراء، ولا ليطعن بعضهم ببعض، فالصلة بينها وبين ما قبلها واضحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>