قدم الألوسي لسورة الحديد بقوله:(أخرج جماعة عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة، وقال النقاش وغيره: هي مدنية بإجماع المفسرين ولم يسلم له، فقد قال قوم:
إنها مكية، نعم الجمهور- كما قال ابن الفرس- على ذلك.
وقال ابن عطية: لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا، لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا، ويشهد لهذا ما أخرجه البزار في مسنده، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي، وابن عساكر عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه دخل على أخته قبل أن يسلم، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد، فقرأه حتى بلغ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فأسلم، ويشهد لمكية آيات أخر ما أخرج مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وغيرهم عن ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ إلا أربع سنين. وأخرج الطبراني، والحاكم وصححه وغيرهما عن عبد الله بن الزبير أن ابن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله تعالى بها إلا أربع سنين وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ ... الآية).
(ووجه اتصالها- بالواقعة- أنها بدئت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به، وكان أولها واقعا موقع العلة للأمر به فكأنه قيل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ لأنه سبح له ما في السموات والأرض، وجاء في فضلها مع أخواتها ما أخرجه الإمام أحمد؛ وأبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن عرباض بن سارية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال:
إن فيهن آية أفضل من ألف آية» وأخرج ابن الضريس نحوه عن يحيى بن أبي كثير ثم قال: قال يحيى: نراها الآية التي في آخر الحشر).
وقال ابن كثير: والآية المشار إليها في الحديث هي- والله أعلم- قوله تعالى:
وقال صاحب الظلال في تقديمه لسورة الحديد: (هذه السورة بجملتها دعوة للجماعة الإسلامية كي تحقق في ذاتها حقيقة إيمانها. هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا تضن عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئا ... لا الأرواح ولا الأموال؛