تنصروهم على الكافرين إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم، لأنهم لا يبتدءون بالقتال إذ الميثاق مانع من ذلك وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فاحذروا أن تتعدوا حدود ما شرع لكم
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي بعضهم ينصر بعضا، ويرث بعضهم بعضا. ومعناه نهي المسلمين عن موالاة الكفار، وإيجاب مباعدتهم ومفاصلتهم وإن كانوا أقارب إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ أي: إلا تفعلوا ما أمرتكم به، من تواصل المسلمين، وتولي بعضهم بعضا، واعتبار الكافرين أمة واحدة، تحصل فتنة في الأرض، ومفسدة عظيمة؛ لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الكفر، ويعتبروا الكفر يدا واحدة عليهم، يكون الكفر ظاهرا والفساد زائدا
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم صدقوا إيمانهم، وحققوه بتحصيل مقتضياته، من هجرة الوطن، ومفارقة الأهل والسكن، والانسلاخ من المال والدنيا؛ لأجل الدين والعقيدة. وإذا تذكرنا بداية السورة، عند ما وصف الله المؤمنين بأنهم:
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ... وكيف أنه وصف المتصفين بهذه الصفات بأنهم هم المؤمنون حقا، فإذا ذكر الله تعالى هنا الهاجرين والأنصار بأنهم هم المؤمنون حقا، نعرف أن الذين تحققوا بصفات الإيمان العليا هم المهاجرين والأنصار، وهم القدوة في ذلك لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ الرزق الكريم: هو الذي لا انقطاع فيه، ولا تنغيص، وقد يخطر ببال بعضهم أن هذه الآية تكرار للتي قبلها، ولا تكرار؛ لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم، مع الوعد الكريم، والأولى للأمر بالتواصل، وتحقيق الولاء على أساس الإسلام
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ أي: اللاحقون بعد السابقين إلى الهجرة وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ جعلهم منهم تفضيلا وترغيبا وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أي: وأولو القرابات أولى ببعضهم في الإرث، وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة فِي كِتابِ اللَّهِ أي في حكمه وقسمه، أو في اللوح، أو في القرآن، وقد فصلت آية المواريث، ونصوصها هذه الأولوية إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو الذي يقضي بين عباده بما شاء من أحكامه.
[فوائد]
١ - المهاجرون والأنصار في المدينة المنورة هم الذين يمثلون سابقة المواطنين المسلمين في دار الإسلام، فلكل منهم حقوق المسلم كاملة، والمؤمنون الذين يعيشون في دار الحرب حيث تفترض عليهم الهجرة، هم الذين تمثلهم السابقة التي ذكرها الله في المؤمنين الذين