ومن تأمل الفقرة التي مرت معنا، لاحظ أن الآية الأولى منها ختمت بالفلاح، والآية الأخيرة منها ختمت بقوله تعالى: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وبين ذلك كلام عن الإنفاق وغيره. والآية الأخيرة ذكرتنا بالهداية والموعظة الموجودتين في هذا القرآن، لتستعد الأنفس لتلقي الهداية، والموعظة الموجودتين في الفقرة الثانية من هذا المقطع، والتي هي دروس لأهل الإيمان من خلال تجربة عملية هي ما جرى يوم أحد.
[فوائد حول الفقرة السابقة]
١ - روى البزار عن أبي هريرة قال:«جاء رجل إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«أرأيت قوله تعالى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ فأين النار؟ قال: أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شئ فأين النهار؟ قال: حيث شاء الله، قال وكذلك النار تكون حيث شاء الله عزّ وجل».
قال ابن كثير وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان.
الثاني: أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش، كما قال الله عزّ وجل: كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار. اهـ ويمكن أن نعبر عن المسألة بشكل أبسط، لو افترضنا أن السموات السبع كروية، وبعضها داخل بعض، فالسماء السابعة محيطها أكبر من قطرها، وكون الجنة عليها لا يعني أنه لم يبق مكان للنار، لأن في داخلها عوالم من السموات والأرض، فأي حماقة تلك، حماقة الذي يتصور أن سعة الجنة تقتضي ألا يبقى مكان للنار أو لغيرها.