بمكة، أم القرى في حال كون ساكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا فيها؛ لينبه على قيمتها العظمى حال وجود الرسول فيها، وأقسم بآدم- أبي البشر- وولده على أنه خلق الإنسان في مكابدة، وفي ذلك تذكير للإنسان أنه لم يخلق عبثا، ولم يخلق للراحة بل خلق في التعب والمكابدة ليعلم أن له مهمة، وأنه مكلف.
[كلمة في السياق]
١ - في الأقسام التي مرت معنا وجوابها تذكير بمجموعة أمور، بعظمة هذا البيت، وبعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يزداد بوجوده هذا البيت عظمة، وبعظمة آدم عليه السلام، وكرامة ذريته، وتذكير بحال الإنسان في عيشه المكابد؛ ليستدل به على أصل مهمته في الحياة، ولذلك صلته بموضوع الإيمان بالغيب، وموضوع لزوم التقوى، وضرورة الاهتداء بكتاب الله، والعمل فيه أي: بالآيات الأولى من سورة البقرة.
٢ - بعد القسم على أن الإنسان خلق في كبد يأتي قوله تعالى:
أَيَحْسَبُ أي: الإنسان أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أي: أيظن الإنسان مع أنه خلق في مكابدة مما يدل على أنه محاط به، أنه لن يستطيع أحد أن يقهره، وأن يغلبه، وأن يفعل به ما يشاء، ومن ثم فلا يقوم بتكليف، ولا يحسب حسابا ليوم آخر مع أن حاله وغرقه في التعب طوال حياته، كان ينبغي أن يدله على أنه مقدور عليه محاط به من الله عزّ وجل.
[كلمة في السياق]
١ - عرفنا من الآية الأخيرة: أن من تصورات الإنسان الفاسدة شعوره وحسبانه أن أحدا ما لا يستطيع عليه، ومن هاهنا ندرك سببا من أسباب الفرار من التكليف، الفرار الذي تنقضه شواهد حال الإنسان في المكابدة.
٢ - وبعد أن بين الله عزّ وجل لنا هذا التصور الفاسد عند الإنسان يبين لنا أن الإنسان يجمع مع هذا الحسبان الدعاوى الباطلة.
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً قال ابن كثير: أي: يقول ابن آدم: أنفقت مالا لبدا أي كثيرا: وقال النسفي: جمع لبدة وهو ما لبد أي: كثر واجتمع.