لقد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة مهاجرا وكان من أوائل ما فعله أنه كتب وثيقة نستطيع أن نسميها باصطلاحنا الحالي- دستورية- تنظم العلاقة مع اليهود وقد جرت العادة خلال العصور أن تكون هناك عقود بين المسلمين وبين المواطنين من غير المسلمين وهي التي تسمى عقود أهل الذمة وبسبب من هذه العقود كان غير المسلمين يدخلون في ذمتنا ويعتبرون ذمّيين، هذا شئ والولاء شئ آخر. إن التزام المسلمين لأهل الذمة بشيء والوفاء به شئ والولاء شئ آخر. فلا يصح الخلط بين ما يجوز للجماعة المسلمة أن تعقده من عقود مع غير المسلمين وبين الموقف الخياني من أحد المسلمين إذ يعطي الكافرين ولاءه خيانة لله ورسوله والمؤمنين. ولنضرب أمثلة توضح المراد: لقد عاقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليهود في المدينة على معان وقد غدروا بها فيما بعد. فالعقد حتما ليس موالاة، ولكن لنفترض أن رجلا كان يتظاهر بالإسلام، وكانت عواطفه مع اليهود، ويتمنى أن يتغلب اليهود على المسلمين، وهو شريكهم في غدرهم وينقل لهم أسرار المسلمين. إنّ فعل هذا الرجل هو الولاء المحرّم، أمّا عقد الجماعة الإسلامية متمثلا بقيادتها فهذا جائز، إذا كانت مصلحة المسلمين تقتضي ذلك، سواء كانت عقودا على الأرض الإسلامية أو خارجها وسيأتينا نصوص ذلك في سور الأنفال وبراءة والنمل والقتال.
إن العقد من قبل الجماعة شئ، والولاء شئ آخر، فنحن إن عاقدنا الكافرين عقدا أملاه علينا موقف، فإن هذا لا يعني أنّنا واليناهم، إن الجماعة الإسلامية قبل الحكم وبعد الحكم لا بدّ أن توضّح موقفها من المواطنين غير المسلمين الذين يعيشون على الأرض الإسلامية، وقد تجد قبل الحكم وبعد الحكم من يقبل التعامل على الأسس التي قدمتها جماعة المسلمين لا إيمانا منهم بالإسلام ولا رضى بالإسلام وعن المسلمين، ولكن قد يفعلون هذا تعقلا وحفاظا على المصالح.
إن فعل الجماعة هذا لا يعتبر ولاء لأنّ هذا باب فتحه الإسلام لنا في تحركنا السياسي أو العسكري.
- إنّه بعد قيام الدولة ليس أمامنا خيار إلّا أن نضع الأطر الحاكمة لكل قضية على أرضنا، ومن ذلك الضوابط التي تضبط علاقات المواطنة مع غير المسلمين، إنّ مثل