فاتركهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«بل يتوب تائبهم» فأنزل الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إلى قوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ.
[كلمة في مقدمة الفقرة]
قلنا إن هذه الآيات الثلاث هي مقدمة الفقرة الثانية في المقطع الأول من القسم الثاني من سورة الأنعام، وقد عرضت علينا الآيات دعوى الكافرين أنهم إذا جاءتهم آية يؤمنون، وبينت أن الأمر ليس كذلك، فقد تأتي الآية ولا يؤمنون إذا لم يشإ الله إيمانهم، ومشيئة الله لا تنفك عن الحكمة؛ فلله سنن ولله حكم، ومن سنن الله أن يقلب أفئدة وأبصار الكافرين فلا يؤمنون، ولو كثرت عليهم الآيات؛ عقوبة لهم؛ لأن قلوبهم رفضت الإيمان مع قيام الحجة ابتداء، فهم وقفوا موقفا يستحقون به عقوبة استمرارهم على الكفر، فليبكوا على أنفسهم إذن بدلا من أن يقترحوا ويتعنّتوا، إنّهم محكومون بالمشيئة الإلهية، والمشيئة الإلهية مطلقة فليراجعوا أنفسهم. ولننتقل إلى المجموعة الأولي في الفقرة.
«المجموعة الأولى»
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا. أي وكما جعلنا لك أعداء من المشركين جعلنا لمن تقدّمك من الأنبياء أعداء؛ لما فيه من الابتلاء الذي هو سبب ظهور الثّبات والصبر وكثرة الثّواب والأجر شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً زخرف القول أي: المزوّق من القول وهو ما زيّنوه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي، والغرور هو ما يغتر به صاحبه، أو هو القول الخادع الذي يأخذ على غرّة والمعنى: يوسوس به شياطين الجن إلى شياطين الإنس وكذلك بعض الجن إلى بعض، وبعض الإنس إلى بعض الكلام المزخرف الخادع وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ. أي: هذا الإيحاء، يعني: ولو شاء الله لمنع الشياطين من الوسوسة ولكنه امتحن بما يعلم أنّه أجزل في الثواب للمؤمنين فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ. أي:
فدعهم وما يفترونه عليك وعلى الله فإنّ الله يجازيهم وينصرك ويخزيهم
وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. أي: ولتميل إلى زخرف القول قلوب الكفار، والمعنى إن الشياطين يوحون زخرف القول ليغروا ولتميل إليه قلوب الكافرين بالآخرة