كلمة في السياق:[حول قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وصلتها بالمحور]
رأينا في القصة أن الحكم أثر العلم. فبدون علم يصعب على الإنسان أن يعطي حكم الله مراعى فيه كل شئ، وبقدر إحاطة العلم يكون الإدراك لحكم الله في الموضوع المطروح أصح، ورأينا في القصة من أدب الرسالة والنبوة والولاية ومن أدب الصحبة والخدمة الكثير. ورأينا كيفية العلاقة الراقية التي يكون عليها أحباب الله دون مجاملة على حساب دين الله. ورأينا حكمة الله إذ يختار لنبوته ورسالته وولايته من ليس لهم حظوظ نفسية أو دنيوية. ورأينا عطاء الله الذي لا نهاية له. فكم أعطى الله موسى مما قد يتصور ناس أنه لا مزيد عليه، وإذا به يعطي خضرا في جوانب أكثر مما أعطاه موسى.
وفي ذلك يكمن سر السياق: بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالإسلام، واجتناب خطوات الشيطان، وطالب البشرية كلها بذلك، والذي يصرف الناس عن الدخول في الإسلام هو زينة الحياة الدنيا. واحتقار أهل الإيمان. ولو أنهم فطنوا إلى أن الله يرزق من يشاء بغير حساب لما احتقروا أهل الإيمان، ولا صرفتهم الدنيا عن الدخول في الإسلام، إن في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام درسا بليغا، فإذا كان الله لا يعجزه أن يجعل عبدا زمن موسى أعلم من موسى في جوانب، أفيعجزه أن يجعل محمدا صلّى الله عليه وسلّم أعلم من موسى وأرقى، وأن يعطيه ختم النبوة ويكرمه بالإسلام الناسخ لكل دين، وبالقرآن الذي هو أشرف من كل كتاب. تعالى الله أن يعجزه شئ من ذلك.
إذا عرفت هذه الحقيقة تعرف محل هذه القصة في السياق، ومحلها في خدمة محور السورة من البقرة. زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فقصة الخضر مع موسى عليه السلام تفصيل لنوع من رزق الله. كيف أنه يرزق من يشاء بغير حساب.
وأن هذا كله يخدم قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي في الإسلام كله.
أي في دين محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولا تفتنكم الدنيا عن ذلك، فتحتقروا أهل الإيمان وتذكّروا أن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي آتاه الله ما لم يؤت أحدا من العالمين، ولا تكونوا جاهلين في الله، فتستعظموا أن يرزق الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم ما رزقه من الهداية والكرامة والرشد بما جعله قدوة للعالمين. والآن فلننتقل إلى المقطع الخامس.
وهو نوع تفصيل لقوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.*