بعد العصر بالله ما خانا، ولا كذبا، ولا بدّلا، ولا كتما، ولا غيّرا، وإنها لوصية الرجل وتركته، قال: فأمضى شهادتهما». وقد دلّ عمل أبي موسى، وعدم إنكار الناس، ورواية الشعبي للحادثة دون نكير، على صحّة اتجاه من ذهب إلى أنّ الحكم غير منسوخ.
[كلمة في السياق]
في هذا المقطع عدة فقرات كلها مبدوءة ب «يا أيها الذين آمنوا» الأولى: في النهي عن تحريم الطيبات. والثانية: في تقرير حرمة الخمر والميسر. والثالثة: في حرمة صيد المحرم. والرابعة: في النهي عن السؤال مع تقرير عدم حرمة أنواع من الأنعام. والخامسة: في التأكيد على أن هداية المهتدين لا تضر معها ضلالة الضالين. والسادسة: في طريق الوصول إلى حق وراث من مات في سفر، وما بين النهي عن تحريم الطيبات في الفقرة الأولى، وتحريم الاعتداء على ما لم يأذن به الله في الفقرة الثالثة، وتحريم السؤال المتعنت مع تبيان إباحة بعض الأنعام في الفقرة الرابعة، وتحريم أكل مال من مات في سفر في المجموعة الأخيرة، صلات واضحة، والصلة بين هذا كله وبين الإقبال على الأنفس في الهداية في الفقرة الخامسة لا تخفى. ولذلك كله صلاته بمحور السورة من البقرة فالسّورة بيّنت في قضية الهداية والضلال، وفي قضية الفسوق وأسبابه، وفي أنواع من نقض الميثاق، وفي أنواع من الإفساد في الأرض، وفي أنواع من قطع ما أمر الله به أن يوصل.
فإذا اتضح محل المقطع الأخير في السياق فلنذكر كلمة حول أقسام السورة تكون بمثابة المقدمة للكلام عن خاتمتها.
[كلمة في أقسام السورة]
قلنا: إن السورة تتألف من ثلاثة أقسام وخاتمة، وقد عرضنا الأقسام الثلاثة ولم تبق إلا الخاتمة. وقد رأينا كيف أن الأقسام الثلاثة فصّلت في محور السورة، ورأينا صلاتها فيما بينها. وقد ركّز القسم الأول على الوفاء بالعقود، وترك الإفساد في الأرض، وإذ كان الناس في هذا الشأن قسمين: مهتدين، وكافرين، فقد جاء القسم الثاني لينهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحزن على الذين يسارعون في الكفر، وركّز السياق على وصل ما