وخدمت المقطع الذي قبله والذي فيه وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا إذ ضربت مثلا في إهلاك من يستفز الأنبياء فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً بل هي فسّرت الآية الأولى: إذ الاستفزاز هنا هو القتل، فصار معنى تلك الآية: وإنهم كادوا ليقتلونك ليخرجوك من الأرض، وإذن يستأصلهم الله بعدك لو فعلوا. وبهذا التفسير تخرج من أي إشكال يثار كيف أخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة ثم لم يستأصلوا، ولقد أجبنا على هذا الإشكال من قبل.
٣ - من خلال الكلام على بني إسرائيل في أول السورة وهنا، ندرك مضمون السورة:
بعث موسى عليه السلام بالآيات، فقابله فرعون بالجحود والظلم والرغبة في الاستئصال فهلك. وقبل بنو إسرائيل الهدى فانحرفوا وأفسدوا فعوقبوا. وهذا محمد صلّى
الله عليه وسلّم عبد الله ورسوله الذي أكرمه الله بالإسراء وأنزل عليه القرآن. الناس من دعوته أحد اثنين: إما معرض محارب، ومصيره مصير فرعون، وإما مستجيب فعليه أن يأخذ كل الكتاب بقوة، وإلا فمصيره مصير بني إسرائيل في التسليط عليه، فإذا اتضح هذا، يتضح معنا كيف أن السورة تفصّل محورها من سورة البقرة وهو: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ فكفر بها فرعون فأهلك وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ كما فعل بنو إسرائيل إذ جاءتهم البينات من معجزات وتوراة فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ في الدنيا والآخرة.
هذه الآية تخدم الأمر بالدخول في الإسلام كله، واجتناب خطوات الشيطان.
وهذه السورة تحذّر المسلمين من اتباع خطوات الشيطان، وتأمرهم بالإسلام والقرآن كله، وإذ كان الهدف هو الدخول في الإسلام كله بالالتزام بالقرآن كله، والإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك مقتضى معرفة الله، ومقتضى شكره.
فقد ختمت السورة بمجموعة تضمنت هذه المعاني وأمثالها وهذا تفسيرها:
[المجموعة الثانية من المقطع الخامس]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أي وما أنزلنا هذا القرآن إلا بالحق فهو حق خالص بيّن، ويدعو إلى الحق، ويشتمل على الحق في كل أمر وَبِالْحَقِّ نَزَلَ قال ابن كثير: أي ونزل إليك يا محمد محفوظا محروسا لم يشب بغيره، ولا زيد فيه ولا نقص منه، بل