إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ أي في الآخرة وهو الجنة، وقد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل همّ وحزن، وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده، وسائر الآفات والمصائب، وسمّي المكان الذي فيه أمن بالأمين. لأنّه لا يخون صاحبه لأن المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقي فيه من المكاره
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم، وشرب الحميم.
يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها وَإِسْتَبْرَقٍ وهو ما فيه بريق، ولمعان من الحرير مُتَقابِلِينَ أي: في مجالسهم. وهو أتم للأنس. قال ابن كثير:
أي: على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره
كَذلِكَ أي: الأمر كذلك وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ الحوراء: الشديدة سواد العين، والشديدة بياضها والعيناء: هي الواسعة العين. قال ابن كثير: أي: هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين
يَدْعُونَ فِيها أي: يطلبون في الجنة بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ من الزوال والانقطاع وتولد الضرر من الإكثار. قال ابن كثير: أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه، بل يحضر إليهم كلما أرادوا
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى أي: لا يذوقون في الجنة الموت البتة إلا الموتة الأولى، أي: سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا. قال ابن كثير: ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدا وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ أي: مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم وسلّمهم ونجّاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم في دركات الجحيم فحصل لهم المطلوب، ونجّاهم من المرهوب؛ ولهذا قال عزّ وجل:
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي: إنما كان هذا بفضله عليهم، وإحسانه إليهم. قال النسفي: تفضل منه لهم؛ لأنّ العبد لا يستحق على الله شيئا.
كلمة في السياق:[حول الصلة بين ما مر من السورة وخاتمة السورة]
لم يبق عندنا إلا آيتان في السورة هما فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ والملاحظ أن الانتقال تمّ مباشرة من الكلام عن عاقبة المتقين، إلى الكلام عن القرآن الذي بدأت بالكلام عنه مقدمة السورة، واستقرت على وجود الشك في قلوب الكافرين في شأنه، ثمّ سار السياق على التسلسل الذي رأيناه