أَمْثالُكُمْ. أي: إلا خلق أمثالكم في الحياة والموت، والاحتياج إلى مدبّر يدبّر أمرها، وفي القوانين التي تخضع لها وتنتظمها ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ.
أي: ما تركنا في الكتاب من شئ، والكتاب يحتمل أن يكون المراد به اللوح المحفوظ، ويحتمل أن يكون المراد به القرآن. فإن أريد به اللوح المحفوظ كان المراد: ما تركنا من شئ لم نكتبه في اللوح المحفوظ، وإن كان المراد به القرآن كان المعنى: ما تركنا في القرآن من شئ يحتاج الخلق إلى بيانه إلا وقد اشتمل عليه القرآن، وقد جاء هذا التقرير في سياق الكلام عن كون كلّ نوع من دوابّ الأرض، وكل نوع من الطيور، أمة لها من الخصائص، والقوانين، واللغة، والعادات، ما به تسمّى أمة، وعلم دراسات الحيوانات أعطانا- حتى الآن- من هذا الكثير، فإشارة القرآن إلى ذلك هنا معجزة منفردة، وهو في الوقت نفسه دليل على أنه ما من شئ إلا وفي القرآن بيان عنه. ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ في تفسير الحشر هنا اتجاهان للمفسرين، الاتجاه الأول: اتجاه من يفسر حشر البهائم بأنه موتها، والاتجاه الثاني يفسّر حشرها ببعثها وإقامة العدل فيما بينها، ثم إفنائها، وفي الفوائد سنذكر مزيدا عن هذا الموضوع، ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته في هذه الآية ما يشهد لربوبيته، وينادي على عظمته،
قال: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ. أي: لا يسمعون كلام المنبّه وَبُكْمٌ. أي: لا ينطقون بالحق فِي الظُّلُماتِ. أي: خابطون فيها، وجمعت الظلمات لكثرة أنواعها، ظلمة الجهل، والحيرة، والكفر، والغفلة عن تأمل ذلك والتفكر فيه مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ. أي: من يشإ الله ضلاله يضلله، وفي هذا إيذان بأنّه فعّال لما يريد وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بأن يهديه للإسلام وفي هذا الكلام دليل على خلق الأفعال، وإرادة المعاصي، ونفي وجوب الأصلح عليه، وهي قضايا خالف بها المعتزلة، وإذ وصل السياق إلى هذا المعنى تأتي مجموعة أوامر بلفظ (قل) موجهة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تأمره أن يقول معاني محددة للكافرين، فيها ردود على اقتراحهم الآيات.
ولقد استخرج صاحب الظلال من هذا المقام- مقام اقتراح الآيات والموقف منها درسا سجّله وننقله بين يدي العلاج القرآني الذي ستعرضه المجموعات اللاحقة: