للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذكر الله. فلا يشغل لسانه بغيره.

[تفسير الفقرة الثانية]

وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ هذا معطوف على بداية الفقرة الأولى إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ ... وهذا يؤكد أن الفقرة هذه قد جاءت في سياق التبيان لحكمة الله في الاصطفاء؛ بدليل العطف هنا، وذكر الاصطفاء صراحة. وفي الآية إخبار عما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام عن أمر الله لهم بذلك، أن الله قد اختارها

لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وَطَهَّرَكِ مما يستقذر من الأفعال والأحوال والأقوال، والأكدار، والهواجس، والوساوس وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بما سيكرمها الله- عزّ وجل- به من رزقها عيسى من غير أب، ولم يكن ذلك لأحد من النساء. ثم إن الملائكة أمروها بكثرة العبادة، والخشوع والركوع والسجود، والدأب في العمل؛ لما يريد الله بها من الأمر الذي قدره لها وقضاه، مما فيه محنة لها، ورفعة في الدارين؛ بما أظهره الله فيها من قدرته العظيمة حيث خلق منها ولدا من غير أب

يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ القنوت: هو الطاعة في خشوع وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أي: كوني منهم بفعل فعلهم.

ذلِكَ إشارة إلى ما سبق من قصة أم مريم، ومريم، وزكريا وزوجته مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ أي:

من أخبار الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي، وذلك دليل على ما ذكرنا أن هذه الفقرات إنما هي صفحات من الغيوب التي يجب الإيمان بها، فهي تفصيل لما أجمل في مقدمة سورة البقرة، في قوله تعالى الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ. نفهم من ذلك ما أجمل من قبل، فنعلم أن مريم لم تدخل في كفالة زكريا إلا بعد قرعة وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. نفهم من ذلك أنه كان هناك نزاع حول كفالة مريم، والأقلام: هي الأقداح التي تمت فيها القرعة.

[فوائد]

١ - نلاحظ أن هذه الفقرة مترابطة مع ما قبلها بأكثر من رباط، ومن جملة ما نلاحظه، أن الفقرة الأولى أسست لهذه الفقرة، إذ إن هذه الفقرة ستقص علينا قصة الحمل بعيسى من غير أب، فمهدت الفقرة السابقة لذلك بقصها علينا قصة حمل أم

<<  <  ج: ص:  >  >>