للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسفي: (أي كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها ... وقال: أي خلقه موضوعا على الأرض حيث علق به أحكام عباده من التسوية والتعديل في أخذهم وعطائهم) أقول: وفي ذكر وضع الميزان بعد ذكر رفع السماء إشارة إلى أن من جملة الموازين، موازين اكتشاف أبعاد السماء، والموازين التي يزن بها الإنسان أبعاد الزمان والمكان، وفي ذكر الميزان في هذا السياق إشارة إلى أن الميزان من نعم الله الجليلة التي تعدل المنن الكبرى الأخرى على البشرية، وفي هذا السياق يأتي الأمر التكليفي الوحيد في هذه السورة

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ أي: ألا تتجاوزوا العدل في الميزان. قال ابن كثير: أي خلق السموات والأرض بالعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ أي: وأقيموا وزنكم بالعدل وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أي: ولا تنقصوه، قال ابن كثير: أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط. قال النسفي: (أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة، وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان، وكرر لفظ الميزان تشديدا للتوصية به، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه)

وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ أي: للخلق أي جعلها بحيث تلائمهم وتناسبهم قال ابن كثير: (أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات؛ لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها)

وقد فسر الوضع للأنام بالآيتين التاليتين: فِيها فاكِهَةٌ أي: ما يتفكه به من فواكه مختلفة الألوان والطعوم والروائح وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ الأكمام هي أوعية الثمر، أو كل ما يكم أي يغطى من ليفه وسعفه وغير ذلك، قال النسفي: (وكله (أي: النخل) منتفع به، كما ينتفع بالمكموم من ثمره، وجماره، وجذوعه) قال ابن كثير: (أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطبا ويابسا) وكما جعل في الأرض الفاكهة والنخل، جعل فيها الحب والريحان للطعام والجمال

وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ العصف: هو ورق الزرع أو التبن وَالرَّيْحانُ الذي يشم أي فجعل لكم ما تتفكهون به وما تقتاتون وما تتلذذون بمنظره ورائحته، وذلك كله من مظاهر جعل الأرض موضوعة للأنام

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما أي: نعم ربكما يا معشر الجن والإنس تُكَذِّبانِ فلا تعبدان ولا تتقيان، قال ابن كثير:

(أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها).

أقول: وإذ كان الأمر كذلك فعليكم أن تشكروا خالقها وموجدها، وذلك بعبادته وتقواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>