في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء، ويسّر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا: هو شئ نتخايله لا حقيقة له؛ لقوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق، وناس هذا شأنهم لا يقابلون إلا بالترك لأنه لا فائدة من إنذارهم، وفي قوله تعالى: فَظَلُّوا إشعار بأنه حتى لو جعل عروجهم بالنهار إذ هو محل الظلول ليكونوا مستوضحين لما يرون لما كان موقفهم إلا ذلك، وقوله تعالى: لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا فيه إشعار بمزيد جرمهم بأنهم مهما يحدث لهم فإنهم يعتبرونه تسكيرا للأبصار ولذلك استعملوا أكثر من مؤكد.
[نقول]
١ - [كلام لصاحب الظلال عن سنة الله أنه على حسب العمل يكون الأجل]
بمناسبة قوله تعالى وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ قال صاحب الظلال: «وذلك الكتاب المعلوم والأجل المقسوم يمنحه الله للقرى والأمم، لتعمل، ومن سنته جل جلاله أنه على حسب العمل يكون الأجل. فإذا هي آمنت وأحسنت وأصلحت وعدلت كان أجلها مديدا حتى تنحرف عن هذه الأسس كلها، ولا تبقى فيها بقية من خير يرجى، عندئذ تبلغ أجلها وينتهي وجودها، إما إطلاقا بالهلاك والدثور، وأما وقتيا بالضعف والانزواء.
ولقد يقال: إن أمما لا تؤمن ولا تحسن ولا تصلح ولا تعدل. وهي مع ذلك قوية ثرية باقية. وهذا وهم. فلا بد من بقية من خير في هذه الأمم. ولو كان هو خير الخلافة في الأرض بعمارتها، وخير العدل في حدوده الضيقة بين أبنائها، وخير الإصلاح المادي والإحسان المحدود بحدودها. فعلى هذه البقية من الخير تعيش حتى تستنفدها فلا تبقى فيها من الخير بقية. ثم تنتهي حتما.
إن سنة الله لا تتخلف. ولكل أمة أجل مرتب على عملها ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ.
وبمناسبة قوله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ قال صاحب الظلال: «ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب فتح لهم فيها يصعدون بأجسامهم، ويرون الباب مفتوحا أمامهم، ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها ..
ثم هم بعد ذلك يكابرون فيقولون: لا لا. ليست هذه حقيقة. إنما أحد سكر أبصارنا