الحدوث فيه، ولذلك هم في ضلال ظاهر؛ حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي، ووضعوا العبادة في غير موضعها، وفي ذلك إشعار بأنه لا ظلم أشد من ظلمهم
وَأَنْذِرْهُمْ أي وخوّفهم يَوْمَ الْحَسْرَةِ أي يوم القيامة، لأنه يقع فيه الندم على ما فات إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الحساب، وصير إلى الجنة أو النار وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ أي في الدنيا عما أنذروا به يوم الحسرة والندامة. أي في غفلة هنا عن الاهتمام بذلك المقام وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون. أي وأنذرهم على هذه الحال التي هم عليها غافلون غير مؤمنين
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها متفردين بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ أي يردون فيجازون جزاء وفاقا.
أخبر تعالى في مقام وعظ هؤلاء أنه الخالق المالك المتصرّف، وأن الخلق كلهم يهلكون، ويبقى هو تعالى وتقدّس ولا أحد يدعي ملكا ولا تصرفا، بل هو الوارث لجميع خلقه الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلا تظلم نفس شيئا، ولا جناح بعوضة، ولا مثقال ذرة.
كلمة في السياق: [حول صلة قصة مريم بقصة زكريا عليهما السلام وبالمحور]
الصلة بين قصة مريم وما قبلها واضحة، قال ابن كثير: (لما ذكر تعالى قصة زكريا عليه السلام، وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا مباركا، عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى عليه السلام منها، من غير أب فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة. ولهذا ذكرهما في آل عمران، وهاهنا وكذا في سورة الأنبياء يقرن القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى؛ ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قدير).
هذا ما له علاقة في السياق الخاص للسورة.
وأمّا صلة القصة بالسياق العام للقرآن فهي على النحو التالي:
لقد ذكرت الآية التي هي محور هذه السورة: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وهذا القرآن أنزله الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. وقد حكم إذ عرض قصة مريم وابنها، وعلّق عليها، وهي من أعظم القضايا التي اختلف فيها البشر، فأعطى فيها قول الحق، ووعظ الناس وذكرهم وأنذرهم أن يثوبوا إلى الحق، مقررا عبودية المسيح وبراءة أمه.
وتأتي بعد ذلك قصة إبراهيم عليه السلام لتبرهن أن كل رسول لله كان مقامه العبودية لله، وكانت دعوته لذلك