كفره وجحوده استكبارا وعنادا، ومن ثم قال تعالى: مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي: كأنه ما سمعها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي: فأخبره أن له عند الله تعالى يوم القيامة عذابا أليما موجعا جزاء على استكباره عن الإيمان بالآيات، والإذعان لما تنطق به عن الحق، مزدريا لها، معجبا بما عنده
وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أي:
وإذا بلغه شئ من آياتنا سخر منه، قال ابن كثير: أي: إذا حفظ شيئا من القرآن كفر به واتخذه سخريا وهزوا أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي: مذل في مقابلة ما استهانوا بالقرآن واستهزءوا به. دلّ ذلك على أن المتصفين بالإثم والكذب، والمعرضين عن آيات الله، والمستهزئين بها هم الذين لا يؤمنون، فليس كفرهم أثرا عن موقف عقلي أو علمي، بل كفرهم أثر عن اتصافهم بأمراض متراكمة تحول بينهم وبين الإيمان، ويستحقون بذلك العذاب،
وقد فسّر الله عزّ وجلّ العذاب الحاصل لهؤلاء يوم المعاد فقال: مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ أي: من قدامهم جهنم قال ابن كثير: أي: كل من اتصف بذلك سيصيرون إلى جهنم يوم
القيامة وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا من الأموال والأولاد شَيْئاً أي: من عذاب الله وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأوثان والأنداد أَوْلِياءَ أي: آلهة ونصراء وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في جهنم. ثم قال تعالى:
هذا هُدىً قال ابن كثير: يعني: القرآن وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ أي:
بالقرآن لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ هو أشدّ العذاب أَلِيمٌ أي: مؤلم.
قال صاحب الظلال في الآية الأخيرة: (إن حقيقة هذا القرآن أنه هدى. هدى خالص مصفى. هدى ممحّض لا يشوبه ضلال. فالذي يكفر بعد ذلك بالآيات- وهذه حقيقتها- يستحق ألم العذاب الذي يمثله توكيد معنى الشدة والإيلام. فالرجز هو العذاب الشديد. والعذاب الذي يهددون به هو عذاب من رجز أليم .. تكرار بعد تكرار وتوكيد بعد توكيد. يليق بمن يكفر بالهدى الخالص الممحض الصريح).
وبهذا انتهت المجموعة الأولى من المقطع الأول.
كلمة في السياق: [حول دور القرآن في الهداية وتوضيح الصلة بين السورة والمحور]
١ - في الآيات الأولى من المجموعة أرانا الله عزّ وجل مظاهر حكمته. وفي الآيات الأخيرة التي فيها وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أرانا الله مظاهر عزته، وفي ذلك تأكيد لما ذكرناه من أن القرآن مجلى أسماء الله كلها. وهذه السورة المصدّرة بذكر اسمين من أسمائه عزّ