قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ قال ابن كثير:(أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك، ولا يخفى علينا أين تفرّقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت) أقول: وليس المراد بالأرض هنا التربة فقط؛ بل الأرض بمجموعها جوا وسطحا، فإن الميت إذا تحلّل فللتراب منه حظّ، وللهواء منه حظ، وكل ذلك أرض، فعند ما يقال:
الأرض يعني الأرض بجملتها، ويدخل في الأرض بجملتها غلافها الجوي، قال النسفي:
(هذا ردّ لاستبعادهم الرجع؛ لأن من لطف علمه حتى علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى، وتأكله من لحومهم وعظامهم كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا) وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ قال ابن كثير: (أي حافظ لذلك، فالعلم شامل، والكتاب أيضا فيه كل الأشياء مضبوطة). والمراد بذلك اللوح المحفوظ فإنه حافظ لما أودعه وكتب فيه، ومن كان هذا علمه وهذا كتابه فكيف يتعجّب من قدرته على بعث الإنسان وإن صار ترابا.
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ دلّت كلمة (بل) هنا كما قال النسفي: (على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوّة الثابتة بالمعجزات في أول وهلة من غير تفكر ولا تدبر، وقيل الحق القرآن وقيل الإخبار بالبعث) أقول: وعلى أي فإنّ العلة الرئيسية التي تتفرع عنها العلل كلها هي المسارعة في تكذيب الحق قال تعالى فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أي: مضطرب مختلف