للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشد من عذاب الدنيا بكثير، لدوامه وشدته، فإن عذاب الدنيا له انقضاء وذاك دائم أبدا، ونار جهنم بالنسبة إلى نار الدنيا سبعون ضعفا، وفيها من صنوف العذاب الكثير: وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي من حافظ من عذابه،

ثم تأتي بشارة لأهل التقوى وإنذار لأهل الكفر بآية واحدة مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي صفتها ونعتها أُكُلُها دائِمٌ أي ثمرها دائم الوجود لا ينقطع وَظِلُّها أي دائم لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس ففواكهها ومطاعمها ومشاربها وروحها كل ذلك لا انقطاع ولا فناء تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الجنة الموصوفة عقبى المتقين أي منتهى أمرهم وَعُقْبَى أي ومنتهى أمر الْكافِرِينَ النَّارُ نعوذ بالله من ذلك.

ثم يستكمل الرد الثالث على اقتراح الآيات بآيتين فيهما رد ضمني على الاقتراح، وفيهما رد على نوع آخر من الكافرين وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وهم قائمون بمقتضاه يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به كفرح النجاشي وقسيسيه بالقرآن يوم قرأه عليهم جعفر وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي ومن أحزابهم- وهم كفرتهم الذين يتحزبون ضد هذا الدين- من ينكر بعضه ويقر بعضه، كما يفعل المبشرون والمستشرقون في عصرنا، لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم، ولكنهم يجعلونه مستمدا من كتبهم، وينكرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع، ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء جميعا قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ومن كان مضمون الوحي الذي أنزل إليه ذلك، فذلك دليل على أنه حق، والإنكار له إنكار لعبادة الله وتوحيده إِلَيْهِ أَدْعُوا أي إلى الله أدعو وَإِلَيْهِ أي وإلى الله لا إلى غيره مَآبِ أي مرجعي، وإذ كان هذا دأبي وعملي ودعوتي، فكيف ترد هذه الدعوة وتكفر، وهي دعوة كل رسول

ومن ثم قال: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا أي حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، والمعنى- كما قال ابن كثير:- (وكما أرسلنا قبلك المرسلين، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا شرفناك به، وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي) وقال النسفي في معناها: (ومثل ذلك الإنزال أنزلناه، مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده، والدعوة إليه وإلى دينه، والإنذار بدار الجزاء) فإذا كان مضمون هذا الوحي كمضمون كل وحي سابق، فكيف ينكر هذا الدين، وكيف يكفر بهذا الرسول!، وهكذا قامت الحجة على مقترحي الآيات في هاتين الآيتين مرتين، مرة بموقف قسم من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>