تعرفنا على صفات الله عزّ وجل التي لا ينبغي أن تغيب عن أحد، ولا ينبغي أن تغيب عن عقل، لأنها الصفات التي توصل إليها البداهة.
جاء قبل سورة الإخلاص سورة الكافرون وسورة النصر وسورة المسد، وقد أمرت سورة الكافرون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلن أنه لا يعبد ما يعبده الكافرون، وجاءت سورة النصر لتبين أن النصر كائن لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الكفر، وجاءت سورة المسد لتبين عقوبة الكافرين، وتأتي سورة الإخلاص لتعرفنا على الله عزّ وجل الذي يعبده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والملاحظ أن سورة الكافرون مبدوءة بقوله تعالى قُلْ وسورة الإخلاص مبدوءة بقوله تعالى قُلْ وبينهما سورتان ليستا مبدوءتين (بقل). في سورة الكافرون أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلن مفاصلته للكافرين في العبادة والدين، وهذه سورة الإخلاص يأمر الله عزّ وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن صفات إلهه الذي يعبده، والذي لا يعبده الكافرون ولا يعرفونه جل جلاله.
وإذا كنا رأينا في كل من السورتين السابقتين معجزة أو أكثر زائدة على الإعجاز، فإن في سورة الإخلاص معجزة تعدل آلاف المعجزات، وهي أنها على قصرها وصفت الله عزّ وجل وصفا لا تنتهي عجائبه، حتى إن كل ضلال وقعت فيه البشرية في موضوع معرفة الذات الإلهية فإن سورة الإخلاص قد أحاطت به، ونفته وخلصت الإنسان منه، ثم إن العقل البشري قد يصل إلى ما ذكرته هذه السورة في التعرف على الله عزّ وجل، ولكن بعد آماد وآماد، وإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري في موضوع تنزيه الذات الإلهية هو ما ورد في هذه السورة، وسيتضح معنا هذا شيئا فشيئا كلما سرنا في دراسة السورة، فلنر السورة.