وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي وما يعلمون متى ينشرون. قال ابن كثير: أي وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة
بَلِ ادَّارَكَ أي استحكم عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي في شأنها والمعني: أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم، ومكنوا من معرفته، وهم شاكون جاهلون. ومن ثم قال: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي شاكون في وجودها ووقوعها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أي في عماية وجهل كبير في شأنها وأمرها. قال النسفي:
(ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية، وهو وصف المشركين بإنكارهم البعث، مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه، أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب، وكان هذا بيانا لعجزهم، ووصفا لقصور علمهم، وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بد من كونه، وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه، واستحكام العلم به).
..
[نقل]
بمناسبة الكلام عن الآخرة في هذا السياق قال صاحب الظلال:
(والإيمان بالبعث والحشر، وبالحساب والجزاء، عنصر أصيل في العقيدة، لا يستقيم منهجها في الحياة إلا به. فلا بد من عالم مرتقب، يكمل فيه الجزاء، ويتناسق فيه العمل والأجر، ويتعلق به القلب، وتحسب حسابه النفس، ويقيم الإنسان نشاطه في هذه الأرض على أساس ما ينتظره هناك.
ولقد وقفت البشرية في أجيالها المختلفة ورسالاتها المتوالية موقفا عجيبا من قضية البعث والدار الآخرة، على بساطتها وضرورتها. فكان أعجب ما تدهش له أن ينبئها رسول أن هناك بعثا بعد الموت وحياة بعد الدثور. ولم تكن معجزة بدء الحياة الواقعة التي لا تنكر تلهم البشرية أن الحياة الأخرى أهون وأيسر. ومن ثم كانت تعرض عن نذير الآخرة، وتستمرئ الجحود والمعصية، وتستطرد في الكفر والتكذيب.
والآخرة غيب. ولا يعلم الغيب إلا الله. وهم كانوا يطلبون تحديد موعدها أو يكذبوا بالنذر، ويحسبوها أساطير، سبق تكرارها ولن تحقق أبدا!