نصحهم أهل الإيمان النصيحة الأولى كما رأينا بتقبيح ما كانوا عليه؛ لبعده عن الصواب وجره للفساد، فردوا عليهم كما رأينا، ونصحوهم النصيحة الثانية كما في هذه الآية بأن بصروهم بالطريق الأسد من اتباع ذوي الأحلام، فكان جوابهم أن سفهوهم للتمادي في جهلهم، وفيه تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة.
ولم يظهر أهل هذه الآية كذلك في عصر كما ظهروا في عصرنا، إذ ترى المنافقين يحتقرون أهل الإيمان من علماء وربانيين ودعاة وعباد ويعتبرونهم ضعاف العقول، ويصفونهم بالرجعية والجمود وضيق الأفق وأمثال ذلك، فهم أبعد الناس عن احترامهم، فضلا عن متابعتهم والاقتداء بهم فيما هم فيه من خير، وقد تولى الله سبحانه الجواب الذي يفضح حقيقة أمرهم فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ، فأكد وحصر السفاهة فيهم، وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ يعني: ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون أن ما هم فيه ضلال وجهل وسفه، وذلك أردى وأبلغ في العمي والبعد عن الهدى، وإنما وصفهم في الآية الأولى بأنهم لا يشعرون، وفي الآية الثانية بأنهم لا يعلمون، لأنه ذكر في الآية الثانية السفه وهو الجهل فكان ذكر العلم هو الأحسن طباقا له، ولأن الإيمان يحتاج إلى نظر واستدلال ليكتسب الناظر المعرفة، فناسب ذلك ذكر العلم، أما الفساد في الأرض فأمر مبني على العادات فهو كالمحسوس فناسب هناك أن يذكر عدم الشعور.
يزيدنا الله بيانا في توضيح حال المنافقين من خلال أقوالهم، ومواقفهم، فذكر لنا أن هؤلاء المنافقين إذا لقوا المؤمنين قالُوا آمَنَّا وأظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة تغريرا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية، وإذا خلوا إلى سادتهم وكبرائهم ورؤسائهم وأصحابهم من الكافرين والمشركين والمنافقين قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أي إنا على مثل ما أنتم عليه إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أي: إنما نحن نسخر بالقوم ونستهزئ منهم ونلعب بهم، ولم يظهر أهل هذه الآية في عصر كما ظهروا في عصرنا، إذ كثرت المؤسسات الكافرة من محافل ماسونية وأحزاب ضالة، أو مؤسسات خائنة، أو جمعيات فاجرة، أو تكتلات على أسس فاسدة. وتجد كثيرا من أبناء المسلمين يتظاهرون مع أهل الإيمان بالإيمان ولكنهم مع زعمائهم في هذه المؤسسات وأمثالها على غاية من المتابعة والولاء. وليس أبلغ من كلام الله في وصف حالهم ومقالهم